تتصاعد الدعوات إلى تسليح المدنيين في السودان مع تقدم قوات الدعم السريع في اتجاه الجنوب ويلوح شبح الحرب الأهلية في البلاد بعد ثمانية أشهر من النزاع الدامي على السلطة بين تلك القوات وبين الجيش. فبعد أن استولت قوات الدعم السريع على أجزاء كبيرة من ولاية الجزيرة وسيطرت على العاصمة ود مدني، واصلت تقدمها في اتجاه الجنوب وسيطرت على عدة مناطق في ولاية سنار المجاورة. ويشكو مواطنون سودانيون من "انتهاكات" ارتكبتها قوات الدعم في مناطق الجزيرة ويخشون تكرارها. وأطلقت مجموعات تسمي نفسها "المقاومة الشعبية المسلحة" دعوات لتسليح المدنيين في ولايات النيل الابيض ونهر النيل والقضارف الشمالية وكسلا والبحر الأحمر وهي كلها مناطق خاضعة لسيطرة الجيش. أما قوات الدعم السريع فتدعو من يشاء من سكان المناطق التي يسيطر عليها إلى التطوع لديها لتسليحهم مؤكدا أن الهدف من ذلك هو أن يحمي هؤلاء مناطقهم. في مدينة شندي بولاية نهر النيل، على بعد 150 كيلو متر شمال الخرطوم، قال محمد بدوي والي الولاية وهو يتحدث الأسبوع الماضي أمام آلاف من السكان "سندرب الشباب علي حمل السلاح والدفاع عن الارض والعرض وحماية اهلهم من التمرد"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع. وفيما تؤكد مجموعة الأبحاث "سمول ارمز سرفاي" أن 6،6% من السودانيين يملكون سلاحا ناريا، قال محمد الأمين زعيم قائل البجا أمام حشد من أبناء قبيلته الاثنين في مدينة سواكن بولاية البحر الأحمر (شرق) "نحن جاهزون لحمل السلاح لدحر" قوات الدعم السريع. وفي إحدى قرى شرق الجزيرة قال مواطن طلب عدم الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية إن "قوات الدعم السريع تسلح من كل قرية عددا من الشباب باسم حماية قريتهم وتسلمهم بنادق كلاشينكوف وعربة أو أكثر بحسب حجم القرية". وتثير هذه الدعوات والتحركات مخاوف من توسع دائرة الصراع ومن أن يتحول إلى حرب أهلية. وقال مسؤول أمني طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول الحديث إلى الإعلام "هذه خطوات كارثية في بلد أصلا يعاني من انتشار السلاح فكانما تزيد النار حطبا". وأكد أن "المجموعات التي تحصل على السلاح لا أحد يضمن كيف ستستخدمه ولأي أغراض ". وقال شريف محمد عثمان القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير إن "الموقف الأخلاقي والقيمي هو حث الأطراف على إنهاء الحرب وليس دفع المواطنين إلى المقاومة الشعبية والحشد العسكري ورفع وتيرة القتال لأن هذا يطيل أمد الحرب" التي أسفرت عن مقتل أكثر من 12 ألف سوداني ونزوح ما يزيد عن 7 ملايين، وفق الأممالمتحدة. وتحالف قوى التغيير هو الكتلة المدنية الرئيسة في السودان التي كانت تشارك في السلطة بعد إسقاط عمر البشير وقبل أن يطيحها الانقلاب بالتعاون مع قوات الدعم السريع في 2021. ولدى السودانيين تجارب في تسليح المدنيين أدت إلى تأجيج الصراعات كما حدث في إقليم دارفور غربي البلاد حيث اندلع النزاع في العام 2003 وراح ضحيته 300 ألف قتيل ونزوح 2.5 مليون من منازلهم، وفق للأمم المتحدة. وتفيد إحصائية رسمية صدرت في 2018، بأن هناك خمسة ملايين قطعة سلاح في حوزة المدنيين بمختلف مناطق البلاد. لكن المسؤول الأمني قال لفرانس برس إن هذا الرقم أقل بكثير من الواقع "ولم يتضمن ما بيد الميليشيات المتمردة التي تقاتل الحكومة في دارفور أو جنوب كردفان والنيل الأزرق". وأضاف "قبل الحرب صارت إجراءت ترخيص السلاح سهلة وتتحكم فيها الاستخبارات العسكرية وليس من خلال قانون الأسلحة والذخائر"، كما كان الأمر من قبل. وأوضح أن "تجارة السلاح ازدهرت عبر الحدود الغربية والشمالية الغربية والشرقية للبلاد". وقال يوسف علي وهو مواطن يقيم في شرق الجزيرة "إذا لم تقدم لي أي جهة سلاحا فالحصول عليه أسهل من الحصول على مواد تموينية. يمكنني ببساطة شراءه". إلى ذلك قال برنامج الأغذية العالمي إن مقاتلي قوات الدعم السريع في السودان نهبوا مخزنا تابعا للبرنامج في تلك الدولة التي مزقها الصراع. وأضاف البرنامج التابع للأمم المتحدة أن الإمدادات التي سُرقت مطلع الأسبوع الماضي من المستودع بولاية الجزيرة كان يمكن أن تكفي لإطعام نحو 5ر1 مليون شخص بالحبوب والزيوت والبقوليات لمدة شهر. كما نهبت قوات الدعم السريع الشبه عسكرية الحصص الخاصة برعاية نحو 20 ألف طفل ممن يعانون من سوء التغذية، والأمهات المرضعات. وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لمنطقة شرق أفريقيا، مايكل دانفورد، في بيان صدر وقت متأخر الخميس، "سُلِبَ الشعب السوداني اليائس بالفعل والذي يفر من وجه القتال من مساعدات ضرورية كان بحاجة إليها. لا يمكن التهاون في ذلك ويجب إيقافه". وأضاف: "كما يجب أن تكفل قوات الدعم السريع الحماية للمساعدات الإنسانية، والعاملين عليها، ومبانيها، في المناطق التي تسيطر عليها". ومنذ منتصف أبريل الماضي، يخوض الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حربا خلّفت أكثر من 12 ألف قتيل، وما يربو على 6 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.