تطرق على صديقك نافذة عزلته، ثم تدس في جيب معطفه أغنية وتمضي، هذا نوع من السعادة التي لطالما حاول الفلاسفة والاقتصاديون وعلماء الاجتماع والكُتاّب البحث في ماهيتها، وما العوامل والظروف التي تزيد من مقدار السعادة لدى الإنسان بشرط أن لا تكون سعادة عابرة بل تكون مستمرة، وأكدت الدراسات أن ممارسة السعادة ترتبط بالطرق المتعددة التي يفسر بها الناس واقعهم، وأن الشخصيات السعيدة لها سمات عديدة ومختلفة قد تكون سرعة التكيف أو القدرة العالية على الانضباط الذاتي، أيضاً هي مرتبطة بالرضا عن الحياة، والقناعات، وكيف يدرك حياته ويتوافق مع واقعه، وهذا لا يعني خلو الحياة من المشكلات والتعقيدات بل يعني مهارتك في القدرة على حل مشكلاتك وإيجاد مخارج لها، والسعادة الذاتية مثلها مثل أي شيء آخر قابلة للتغيير وتختلف من شخصٍ لآخر، وهي مرتبطة بثقافة المجتمع وتؤثر عليه، يقول مصطفى محمود: "إن السعادة في معناها الوحيد الممكن هي حالة الصلح بين الظاهر والباطن، بين الإنسان ونفسه والآخرين، وبين الإنسان وبين الله فينسكب كل من ظاهره وباطنه في الآخر كأنهما وحدة، ويصبح الفرد منا وكأنه الكل، وكأنما كل الطيور تغني له وتتكلم لغته". وهذا يؤكد لنا أن السعادة لا تتحقق فقط بالسعي الحثيث للبحث عنها بل بالأسباب التي تدفع إليها وتحيط بنا، إن تصحيح مسار حياتك وعلاقاتك وتقوية ثقتك بنفسك هو طريق للسعادة، والسعادة حالة عقلية ترتبط بمدى قرارك في أن تكون سعيد، واقتران السعادة بمدى امتلاكك للأشياء يسطحها ويفرغها من معناها، وفي ظل التغيرات المتسارعة في كل ما حولنا والفوضى التي تعتري كل ما حولنا كان التوقف عند مصطلح السعادة ضروري لنفهم كيف نفكر ونتحرك، الواقع أنه لا يوجد مرجع لفهم السعادة عند الإنسان فهي مختلفة باختلاف ثقافة المجتمعات وهي في الأساس نوع من القناعة الذاتية، ونوع من التجربة الإنسانية لمحاولة عكس جوهرنا الإنساني "عش كما لو أنك الإنسان الأول، تكتشف النار لأول مرة، تحاول أن تبتكر الكلمات من جديد، تغسل أحزانك في النهر مع قصميك الذي صنعته من أوراق السدر، تحاول أن تستدرج النهر إلى كوخك، ترسم حبيبتك بأحجار الفحم على جدران الكهف، تصنع ربابتك الأولى من زقزقة العصافير، ورقرقة الماء، وحفيف أشجار السدر، عش حياتك الأولى هذه المرة".