يمكن للمواد الحافظة أن تُبقي بعض الأطعمة صالحةً للاستخدام الآدميّ فترةً طويلة من الزمن بعد تعليبها، من خلال الإضافات والتركيبات الخاصة، لكن هذا الغذاء يفقد الكثير من خواصّه الطبيعية والمفيدة، وربما يتجاوز الأمر إلى آثارٍ جانبية ضارة، والأمر قد يكون مقبولاً في الأطعمة ولو على مضض، لكن ماذا عن (تعليب المشاعر) في العلاقات الإنسانية، فحين يكون إحساسنا بالآخر محفوظاً ومجهّزاً، على هيئة (كلماتٍ مسبقة الدفع)، وتكون جاهزة للتقديم في كل موقف جديد، أو في أي حالة إنسانية متكررة، تفقد وقعها لدى الآخرين، ففي واقعنا اليوم الكثير من المشاعر المستنسخة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الأكثر استخداماً ورواجاً في حياتنا اليوم، هذه الرسائل الباردة، والملصقات المحفوظة هي عبارةٌ عن مشاعر (معلبة) صالحة للوضع في أي مكان، يمكن ركنها فترة من الزمن، حتى يأتي موقف آخر مع شخص آخر، وفي ظروف مختلفة، فنعيد صرفها (ولصقها) مرة أخرى، إنّ الإنسان كما يقول ابن خلدون في مقدمته: (كائنٌ اجتماعي بطبعه) لا يمكن أن يستطيب العيش وحيداً دون تفاعلٍ مع مجتمعه المحيط، وحين تبرد مشاعر التواصل، وتكون أشبه بالروتين اليومي المستهلك، تفقد هذه العلاقات جذوتها في النفوس، ولا تتجاوز في مرورها أمام العين ومضةً خاطفة فاترة، وبطبيعة الحال فلا يمكن أن تؤدي نفس الدور الذي تقوم به المشاعر الصادقة، المختلفة، بناء على الشخص واللحظة، النابعة من أعماق القلب، والمبنية على اختلاف الزمان والمكان والشخص، المشاعر تكون أقوى حين تكون حيةً مباشرةً، تنبض بالحياة والتفاعل، تكون في المشاركة الوجدانية والاقتراب الحقيقي، بالوجه، أو الصوت، أو التلامس الجسدي، والعاطفي الصادق، فلكل إنسانٍ عالمه الداخليّ الخاص، وطبيعته المختلفة، التي يريد أن يرى صداها لدى الآخر، ولكل شخصية عوالمها المشاعرية العميقة، التي يرغب في اتصالها الساخن مع أشخاصٍ يعرفهم وبشرٍ (يعزّ عليه أن يفارقهم)، وتزيد الحاجة إلى صدق مشاعر الآخرين كلما كانوا أكثر قرباً في الواقع، حيث يكون العشم أكبر، والعتب أكثر ألماً، إن استنساخ الردود وإعادة بعثها، لا يبرره زمن السرعة، ولا ديناميكية الحياة المعاصرة، فالأرواح توّاقة دائماً لأن تكون محل عناية الآخرين، ومن حق كل إنسان أن يكون في غاية العناية والاهتمام على المستوى الشخصي، فالتشارك مع الآخرين بصدقٍ ودون تزييف، مدعاة لبقاء الألفة والترابط والحياة الكريمة، أما الأثر السلبي الذي تتركه تلك المشاعر المعلبة في النفوس، فلا يقل عن أثر التجاهل، أو عدم الرد، حتى لو قبلت هذه المشاعر فذلك من باب الرضا بواقع مشاعري مرير، نحتاج معه إلى وقفة صادقة مع أنفسنا أولاً، ثم مع الآخرين فالناس للناس من بدوٍ وحاضرة بعض لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ