التحصيل مؤشر مهم يمكن من خلاله التنبؤ بقدرة الطلبة على مواصلة التعلم في مراحل تعليمية مقبلة، كما يمكن من خلاله التعرف على ميولهم واتجاهاتهم والتي تنعكس بدورها على طموحات المجتمع التنموية. ومع وجود التأثير السريع لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وبروز ما يسمى باقتصاد المعرفة وتقديم التعليم كسلعة فإن كثير من النظم التعليمية المتقدمة قامت بمراجعة مستوى المعارف والمهارات التي تُقدم للطلبة ومدى فائدة وجدوى مستوى التحصيل فيها. وقد اكتشفت كثير من الأنظمة التعليمية وجود فجوة عميقة بين المعارف والمهارات التي يتعلمها الطلبة في مدارسهم وبين ما يتطلبه المستقبل وسوق العمل، ولذلك رأت أنه من الضروري الحد من توسع هذه الفجوة من خلال إحداث كثير من الإصلاحات التنظيمية والتشريعية والتطويرية والتي يمكن من خلالها إعادة توصيف هذه المعارف والمهارات وطريقة تقديمها وأسلوب تقويمها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة. إن أبرز الخطوات التصحيحية التي يجب أن نقوم بها في نظامنا التعليمي هو تفحص مستوى المعارف والمهارات الحالية التي يتم تقديمها للطلبة، وطريقة ايصالها وأسلوب التقويم المتبع، ومناقشة مدى مناسبة هذه المستويات والأساليب للتوجهات المستقبلية، خصوصاً أن ثمة إشارة مهمة أتت من نتائج المملكة في الاختبارات الدوليةTIMSS ، PASI، PIRLS، وهو ما يؤكد الحاجة الماسة للمراجعة والتطوير. ولذا أولت وزارة التعليم مؤخرًا هذا الأمر عناية خاصة من خلال كثير من الإصلاحات التنظيمية والهيكلية ومن ذلك استحداث إدارة خاصة تعنى بتقويم التحصيل المعرفي والمهاري، وتم ربطها مباشرة بمديري التعليم في المناطق، وهو ما يشير إلى الاهتمام البالغ بالتحصيل المعرفي والمهاري للطلبة، ومن خلال الاطلاع على الهدف الرئيس لهذه الإدارة ومهامها يتضح أنها تقوم بعدة أدوار تتراوح بين المشاركة والتنسيق والمتابعة والتنفيذ، وهي أدوار في مجملها جيدة، ولكن الأهم هو إيجاد توازن حقيقي بين الأدوار التطويرية منها لغرض المساعدة في تطوير المعارف والمهارات وطرق تقديمها وأسلوب تقويمها من جهة، وبين الأدوار التقليدية لغرض المساءلة فقط من جهة أخرى. إن الإفراط في إبراز دور المساءلة الذي يأتي ضمنيًا من خلال بعض التوجهات المعلنة مثل إعادة تطبيق المقاييس والاختبارات المركزية وغيرها قد يفضي إلى تشويهاً غير مقصود في العملية التعليمية، لأن تركيز العاملين في الميدان سينصب على هذه المقاييس والاختبارات التي ستضعهم وطلابهم على المحك، وهذا لن يدعم تكامل الدور التعليمي والإشرافي لتحسين عمليات التدريس والتقويم بل سيؤدي إلى تركيز مفرط على تعليم الطلبة معارف ومهارات محددة لأغراض الاختبارات فقط، كما سيؤدي إلى تضييق المناهج بمفهومها الحديث وتنبي أنماط محددة من التدريس، وتخصيص كافة الموارد وبذل كل الجهود من قبل المعلمين لغرض تجاوز هذه المساءلة بنجاح من خلال تحقيق طلابهم نتائج جيدة في هذه الاختبارات. إن الدور التطويري لإدارة تقويم التحصيل المعرفي والمهاري هو ما يجب أن يبرز بوضوح في المرحلة المقبلة، ومن ذلك البدء بتشخيص واقع المعارف والمهارات المقدمة حاليًا، وطرق تقديمها، وأساليب تقويمها، وفقًا لمنهجية علمية حديثة، ومن ثم الارتقاء بها إلى مستويات عليا تتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة وبما يتناسب مع التوجه الاستراتيجي لسوق العمل السعودي، كما يجب أن تعمل هذه الإدارة جاهدة على تحرير الميدان التعليمي من أسلوب التقويم التقليدي الذي لا يزال يلازمنا منذ سنوات طويلة إلى أسلوب تقويم حديث يتسق مع الغرض الرئيس من تقديم هذه المعارف والمهارات المكثفة للطلبة، كما يجب التأكيد على بناء قاعدة معرفية وأدوات وأدلة متنوعة للمساعدة في تكوين فهم مشترك خصوصًا لدى العاملين في بناء سياسات التقويم في وزارة التعليم والذين يفترض أن يكونوا من أهل الاختصاص وذلك حول مستوى المعرفة والمهارة الذي نطمح الوصول إليه، وأساليب التقويم الحديثة التي يجب أن نوطنها في الميدان التعليمي ونسعى إلى تفعيلها بشكل صحيح.