عندما لا يكون للماء الزلال من وعاء أو إناء لتحمله فيه فليس أمامك سوى كفيك العاريتين لتحمله بهما وتسقي بهما من حولك من المحتاجين أو العطشى له. ومهما كان حجم هاتين الكفين، ومهما كنت متمرساً في طريقة حملك له ستظل محصلة ما تجنيه أو تغرفه محدودة بقدرتك وبحجم هاتين الكفين وكذلك بالوقت الذي لديك لتمنحه. أما هذا النبع الصافي الذي أراد الله له ألا يجف مادام الخير في الناس باقياً فإنه سيظل منتظراً لأكف أخرى لتغرف منه وقد ينساب منها ما ينساب من هذا الماء النقي فنهدره! وقد يظل في مكانه مدة بعيداً عن متناول الأفواه المتعطشة له أو تلك التي تتوق لأن ترتشفه لتداوي علاتها به وتستلذ طعمه بعد أن تستمتع بفوائده. فأفواهنا هي نعمة الله التي ندخل من خلالها لعوالم لا تنتهي من المتعة والقبول والصحة. في فترة سابقة اتخذت قراراً بأن أتوقف عن النشر وأن أكتفي بالكتابة لنفسي مقدمة بذلك أولويات والتزامات عندي اضطرتني لأن أختار ما كان مناسباً لي في ذلك الوقت، ومع ترتيبي المستمر لأولوياتي وجدت تفسي أمام نداء ملح للعودة للكتابة والنشر وسرد قصص حقيقية لفئة قد لا يخلو بيت منها أو من قريب لها بدأتها ب # أفواههم تلك الأفواه الصامتة التي بالرغم من صراخها المستمر قد لا يسمعها أحد لتزم شفاهها القلقة أو تلك المرعوبة وتطبق على ما بداخلها من أسرار بألم! ليس من الصعب عليّ أن أسترسل في السرد لقصص إنسانية تلامس الوجدان وترفع وتيرة دقات القلب لكني سأنتقي منها الأكثر عمقاً على أن تضعوا في اعتباركم أن لكل قصة من هذه القصص آلاف القصص المشابهة في كل مدينة وقرية داخل هذا الوطن الكريم أو خارجه. القصص التي سأسردها أبطالها آباء مرهقون أو محبطون وأطفال صغار بعقولهم كبار في أحجامهم أو أنهما الاثنان معاً. (ابني ذو الإعاقة حرم من المتعة الوحيدة التي يستمتع بها ويتشابه فيها معنا، قد يبدو لك صعباً في سلوكه وتواصله لكنه إنسان طيب وبريء لا يقصد إيذاء أحد ومن حقه أن يستمتع ويستلذ بقضمه لتفاحته! بعت ذهباً لي بعد أن مللت من طول قوائم الانتظار ومع تكرار الانتظار لأعالج له أسنانه وفمه، فليس عدلاً لي وله أن نظل ننتظر ثم بعد أن يفيق ابني من العملية التي أجريت له يرى فمه عارياً من معظم الأسنان، لقد فقد ابني جمال ابتسامته ومتعة أكله لما يحب ويغذيه، ليس ذلك ما انتظرته فقد أصبح ابني معوقاً أكثر من قبل، نعم سكنت عنه آلامه التي كانت تهيجه مؤقتاً، وكانت تجعل منه عنيفاً مع أي شخص يمكن أن يقربه، لكن ألماً آخر قد بدأ بعد أن فقد أغلى ما عنده ابتسامته وسلامة فمه!) هذه القصة تلخص بعضاً مما يعانيه ذوو الإعاقة بفئاتهم المختلفة ومشكلاتهم النمائية والسلوكية التي تجعل من علاجهم على كرسي الأسنان بالطرق التقليدية أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً وبالرغم مما يحمله علاجهم من تحديات فإن حقهم بالحفاظ على أسنانهم سليمة وجميلة لا يزال محل اختبار وانتظار لتستمر المعاناة والصولات والجولات يخسر فيها ذلك الطفل وأهله الكثير من قيمهم الإنسانية التي بالإمكان أن تحفظ لهم لو توفرت البرامج الوقائية والعلاجية والبحثية، وكان التدخل باكراً ومتاحاً في كل مكان في المدن والأطراف. ومازال للسرد بقية.