تشهد المملكة العربية السعودية قفزات تنموية متسارعة على كافة الأصعدة تحقيقا لمستهدفات رؤية المملكة 2030 والتي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وأعلنها سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهما الله-. وتسعى المملكة منذ توحيدها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، على الاعتناء بمرافق القضاء انطلاقًا من (العدل أساس الملك)؛ وعلى تحسين بيئة العمل القضائية وتعزيز العدالة في البلاد، التي انعكست إيجابًا على أمان البيئة الاستثمارية في المملكة، وضمان تحقيق العدل للمستثمرين المحليين والدوليين. وما نشهده اليوم من قفزات نوعية في مرفق القضاء يأتي تحقيقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030م ونقلة نوعية غير مسبوقة. وقد حققت المملكة مراكز متقدمة عالمياً في عدة مؤشرات قضائية وتشريعية وقانونية حسب تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) للعام 2019م جنيف، حيث حققت المرتبة (16) عالميا في مؤشر "استقلال القضاء"، والمرتبة (17) عالمياً بمؤشر "كفاءة الإطار القانوني لتسوية النزاعات"، أما في مؤشر "كفاءة الإطار القانوني للطعن في اللوائح" حققت المرتبة (18) عالمياً، والمرتبة (11) عالمياً في مؤشر "مواءمة الإطار القانوني للأعمال الرقمية"، ويعود هذا التقدم بفضل الاهتمام والدعم الذي توليه حكومتنا الرشيدة لضمان استقلالية القضاء ورفع كفاءته وتطويره. استقلالية القضاء ويعد استقلال القضاء من الأمور المهمة جداً، لأنه يضمن أن تحقق مرافق القضاء ما أحدثت من أجله، ألا وهو إقامة العدل، ودفع الظلم أو رفعه، وقطع الخصومات، وفض المنازعات، ووصول الحقوق إلى أهلها، واستقامة أمور الناس وانتظام معيشتهم، والحفاظ على كيان الأمة، وأمن الدولة، وبالجملة جلب المصالح ودفع المفاسد في هذا الباب، وبهذا يكون سبباً من أسباب القوة والثبات. وقد نصت المادة السادسة والأربعون من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27 /8/ 1412ه على أن: (القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية)، كما نصت المادة الأولى من نظام القضاء الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19 /9/ 1428ه على أن: (القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء)، وهذه ضمانات لاستقلال السلطة القضائية والقضاة في التنظيم السعودي، وتفتخر الدول المتقدمة باستقلالية قضائها وقضاتها، توفيراً للعدالة وحفظاً للحقوق ونزاهة للحكم، ولا يمكن تحقيق مناط هذه الضمانات في حال تسلّط بعض الجهات التنفيذية أو غيرها من الجهات النافذة. منصة تقاضي وعن تطور القضاء والتشريعات خلال رؤية المملكة 2030 فإنه استناداً على مستهدفات رؤية المملكة 2030 للتحول الرقمي فقد سبق وتم تفعيل التقاضي الالكتروني عبر إطلاق منصة التقاضي الإلكتروني والتي كان لها أثر كبير ومميز ونقلة نوعية في مجال القضاء والانتقال من المحاكمات الحضورية والمستندات الورقية إلى عقد جلسات الترافع الكترونياً والترافع الكتابي أو المرافعة المرئية عبر الاتصال المرئي والتي كانت متوافقة مع الإجراءات المتبعة في المحاكم، حيث نصت المادة (63/1) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية، وتكون المناداة بأي وسيلة يتحقق بها إعلام الخصوم بانعقاد الجلسة"، ما انعكس إيجاباً على سرعة البت في القضايا المعروضة على المحاكم وإنجازها. وعلى صعيد تطوير الأنظمة التشريعية فقد سبق وأعلن سمو ولي العهد -حفظه الله- عن استحداث أنظمة جديدة تُرسخ لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان وتحقق التنمية الشاملة، وهذه الأنظمة هي (مشروع نظام الأحوال الشخصية، مشروع نظام المعاملات المدنية، مشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، مشروع نظام الإثبات) والتي تضفي نقلة جديدة على مستوى التشريع في المملكة إضافةً إلى أنظمة صدرت حديثاً مثل: نظام التكاليف القضائية، ونظام التنفيذ أمام ديوان المظالم الصادر، ومما لا شك فيه أنه سيزيد من كفاءة المخرجات القضائية وتعزيز الشفافية. ومنذ بداية إطلاق رؤية المملكة 2030 سُنت العديد من التشريعات والأنظمة واللوائح الجديدة، وكل ذلك بهدف بناء الهياكل المؤسسية التشريعية ورسم السياسات العامة. البيئة التشريعية وسبق أن صرّح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "أن المملكة العربية السعودية تسير وفق خطوات جادّة في السنوات الأخيرة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالمياً من خلال مرجعياتٍ مؤسسيةٍ إجرائيةٍ، وموضوعيةٍ، واضحةٍ، ومحددةٍ". ومن خلال حديثنا عن "تطوير البيئة التشريعية"، فقد شهدنا مؤخرا تدشين معالي رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري د. خالد بن محمد اليوسف "محكمة التنفيذ الإدارية "وتم خلال الحفل شرح تفاصيل تفعيل نظام التنفيذ أمام ديوان المظالم وتدشين محكمته. ويعد هذا الإنجاز غير مسبوق، حيث أضيف لديوان المظالم سلطة التنفيذ الجبري في القضايا الإدارية على الجهات الحكومية والأفراد، والفصل في المنازعات المتعلقة بتنفيذها. وأنشئت أول محكمة تنفيذ إدارية فريدة من نوعها، تشمل تنفيذ الأحكام النهائية أو العاجلة، والعقود، وأحكام المحكمين، والأوراق التجارية التي تكون جهة الإدارة طرفًا فيها، كما يحق لها تجريم ومعاقبة من يحاول تعطيل أمر التنفيذ للحد من الفساد الإداري، ضمانًا لتنفيذ العدل ورد الحقوق لأصحابها. الجدير بالذكر أن الديوان منظومة تضم (26) محكمة إدارية تتولى حزمة من المهام والاختصاصات، وتشمل المحكمة الإدارية العليا، و(7) محكمة استئناف إدارية، و(17) محكمة إدارية درجة أولى إضافة إلى محكمة التنفيذ الإدارية المنشأة حديثاً. ديوان المظالم ويتمثل القضاء الإداري السعودي في ديوان المظالم، كونه قضاءً متخصصا بالنظر والفصل في الدعاوى التي تكون الجهة الحكومية طرفًا فيها. وهو هيئة قضاء إداري مستقلة أنشئت عام 1955 م. يهدف ديوان المظالم لإرساء العدل والإنصاف والرقابة القضائية الفاعلة على أعمال الإدارة من خلال الدعاوى الماثلة أمامه؛ لضمان حسن تطبيق الأنظمة واللوائح وتمكين صاحب الحق من وسائل التظلم بما يكفل حماية الحقوق. وتعد هذه المحكمة باكورة محاكم نظام التنفيذ أمام ديوان المظالم، وعن نظام التنفيذ بين معالي د. اليوسف: أن وجود نظام التنفيذ وتفعيله على أحكام القضاء والسندات الإدارية؛ يحقق -بإذن الله- الأمان القضائي، ويسهم في دعم مقومات البيئة الاستثمارية والتنمية الاجتماعية والسياحية ووسائل الجذب إليها، وأنّ نظام التنفيذ أمام ديوان المظالم يأتي ليبرهن على توجه القيادة الحكيمة وحرصها بمباشرة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -يحفظه الله- على تحديث أنظمة القضاء وتقنين تشريعاته؛ لضمان رفاهية الحياة لمواطني المملكة وقاطنيها. مؤكدا معالي د. اليوسف خلال حديثه أنّ ديوان المظالم يستمد اختصاصه من نظام التنفيذ أمامه بالتنفيذ الجبري على جهات الإدارة وفق القواعد والإجراءات التي بيّنها النظام، والذي تضمن -جزاءً للامتناع عن التنفيذ أو استغلال النفوذ أو السلطة في منع التنفيذ عقوبات بالسجن والغرامة واعتبارها من جرائم الفساد ومن الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف. ويعمل ديوان المظالم وفق خطة استراتيجية أطلقت عام 2016م، ضمن أول الجهات الحكومية، بهدف رفع كفاءة وجودة القضاء الإداري، وتطوير التحول الرقمي لأعمال ديوان المظالم عبر مبادرات جديدة، كما تضمنت تطوير الكوادر القضائية والإدارية، وتعزيز الشراكات النوعية المحلية والدولية، ورفع الوعي القضائي لكافة شرائح المجتمع عبر المنصات الرقمية، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة الإنفاق. التحول الرقمي وفي سبيل دعم وتطوير مستقبل القضاء الإداري في المملكة وتسهيل حصول الأفراد والجهات الحكومية على حقوقهم، قام ديوان المظالم بتفعيل خطة التحول الرقمي منذ عام 2016م لأعماله الإدارية والقضائية، فاليوم يمكن لأي صاحب حق أن يقوم برفع دعواه القضائية في 4 خطوات فقط عبر منصة رقمية مخصصة للقضاء الإداري، كما يمكنه متابعة حالتها وحضور الجلسات القضائية عن بعد حتى صدور الحكم وتنفيذه من دون الحاجة لمراجعة محاكم ديوان المظالم خلال أي مرحلة من مراحل دعواه، ساهم ذلك في تقليص متوسط فترة إجراءات التقاضي من 427 يوما في عام 2016م إلى 64 يوما في عام 2023م، بنسبة تجاوزت 85 %. وهذا النجاح في التحول الرقمي شجع ديوان المظالم بتحويل أول محكمة إدارية رقمية بدون مبنى بشكل كامل عام 2022م، وتعد تجربة ناجحة، ونتيجة لها أصدر ديوان المظالم قرارًا باعتماد خطة تحويل المحاكم الإدارية إلى محاكم رقمية خلال عامين. ويجدر بالذكر أن جميع هذه الإجراءات والتحولات تخضع لحوكمة شاملة تضمن تحقيق الجودة والتميز في الأداء، حيث أكد معالي د. خالد اليوسف رئيس ديوان المظالم: "أنَّ ديوان المظالم وبدعم من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان انطلق مع الحوكمة من خلال تبني سياسات وتنظيمات قضائية وإدارية وتشغيلية تعتمد في آلياتها وممارساتها على مبادئ المشاركة والشفافية والمتابعة والتدقيق المالي والزمني والمساءلة، وتقنين ذلك والمحاسبة عليه في سبيل الوصول إلى العدالة الناجزة،" كما يحرص ديوان المظالم على خصوصية البيانات التي ينتجها أو يتلقاها أو يتعامل معها وفق ما توجبه قوانين حماية البيانات في المملكة واستثمارها للمساهمة في تطوير القطاع القضائي. الذكاء الاصطناعي ومرورًا على ما سبق ذكره من تطورات وتحولات في مسيرة ديوان المظالم واستغلالًا لهذه التجارب والاستفادة منها لتسهيل تجربة المستفيد ولضمان رد الحقوق إليهم في أقل مدة تقاضي ممكنة، اتخذ ديوان المظالم خطوة للاستفادة من التقنيات الناشئة والذكاء الاصطناعي وتمكينها عن طريق مساند القاضي الذي سيحلل البيانات ويساعد القاضي في جلب البيانات ودراستها بناءً على المعطيات المدخلة وسيتم إطلاقه في نهاية عام 2024م كمرحلة تجريبية للوصول إلى مرحلة التنبؤ بالحكم. واهتمام ديوان المظالم بالتطوير لم يقتصر على أعماله وأنظمته، بل شمل أيضًا تطوير كوادره من قضاة وإداريين عن طريق البرامج التدريبية والدورات التي تعزز معرفتهم وتُنميهم، كما اهتم بتوسيع مداركهم عن طريق عقد شراكات مع جهات خارجية كجامعة كيس ويسترن ريسيرف الأميركية وجامعة سذرن ماثدست الأميركية؛ لتقديم برامج تدريبية لهم تمكنهم من الاطلاع على التجارب والخبرات. وقد أشاد مؤسس مكتب الدراسات العليا للمغتربين بجامعة كيس ويسترن الأميركية أ.د. لويس كاتز أثناء أحد اللقاءات: بتبني السعودية سياسة تنزل عقوبات رادعة على الجهات الحكومية والأفراد، الذين يفشلون في دفع المبلغ للمحكمة ولم ينفذ الحكم الذي أمرت به المحكمة. وكأي شخص معتاد على نظام المحاكم الأميركية، يبدو كشيء قد نرغب في استعارته." وتجدر الإشارة إلى أن ديوان المظالم يهتم بنقل تجاربه للدول الأخرى ويرحب بأي مبادرات تعاون محلية أو خارجية إذا كانت ستعود بالنفع على القضاء الإداري والمنظومة القضائية بشكل عام. تميز وجوائز ويتميز ديوان المظالم باستراتيجية لإدارة البيانات الاستراتيجية التي تشكل الإطار العام لتعاملات ديوان المظالم بشقيه القضائي والإداري بالبيانات بديوان المظالم والخطة الزمنية لتنفيذها، بهدف رفع قدرات دوائره وإداراته في التعامل معها. وسبق وأن حقق ديوان المظالم نتيجة التكامل في قياس التحول الرقمي الخاص بهيئة الحكومة الرقمية، والتي جاءت لتؤكد على نجاحاته المتوالية في التحول الرقمي، وحرص القائمين عليه على تفعيل الرقمنة واستثمار البيانات والمعلومات في مختلف المجالات الإدارية والقضائية والتنظيمية لصالح سير الأعمال وجودتها. ويتجاوز الالتزام بتحسين العمل القضائي إلى نشر الوعي بالقضاء الإداري للمجتمع عن طريق المواد الإعلامية المنشورة بمختلف منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به، إضافة إلى مجلة ديوان المظالم التي تحتوي على أبحاث أكاديمية تختص بالقانون الإداري، إلى جانب نشره للمدونات القضائية التي تحتوي على مبادئ المحكمة الإدارية العليا والسوابق والأحكام القضائية. وحصد ديوان المظالم جوائز وشهادات في التميز وجودة الأعمال، كجائزة ستيفي العالمية الذهبية في التحول الرقمي، وجائزة الشرق الأوسط في تميز الخدمات الذكية، وجائزة درع الحكومة الذكية في العمل عن بعد، وعدة اعتمادات دولية من الآيزو في أمن المعلومات، وجودة إجراءات العمل القضائي والإداري، واستمرارية الأعمال القضائية الرقمية. ويمكن القول إن ديوان المظالم في المملكة يحتل موقعًا رياديًا في تطوير القضاء الإداري وتحسين التجربة القضائية للمستفيدين. وباعتماده على التحول الرقمي والتدريب المستمر، يواصل الديوان العمل لتعزيز العدالة وتوفير بيئة استثمارية آمنة للشركات والأفراد، وتوفير أفضل الخدمات القضائية للأفراد والجهات الحكومية في المملكة. تطوير حوكمة أعمال القضاء الذكاء الاصطناعي يسرع إنجاز القضايا استراتيجية لبناء إدارة البيانات بديوان المظالم التوجيه والتطوير يدعمان بيئة العمل