ينصب تركيز مستثمري ومضاربي النفط الخام في افتتاح تداولات هذا الأسبوع، اليوم الاثنين، على استمرار المخاوف المتعلقة بالإمدادات في الشرق الأوسط مع تصاعد الصراع الجيوسياسي وتوترات الشحن عبر البحر الأحمر، والتي فاقمت الضغوط التصاعدية على الأسعار ليحقق النفط في إغلاق تداولات الأسبوع الماضي مكاسب أسبوعية زادت على 6 %، وهي أكبر زيادة أسبوعية منذ الأسبوع المنتهي في 13 أكتوبر، إذ تجاوز الخامان القياسيان برنت، وغرب تكساس الوسيط 83 دولارا، و78 دولارا للبرميل على التوالي. وبحسب بيانات "الرياض" أثرت عوامل مختلفة مشتركة على أسعار النفط الخام، إذ ترجع هذه الزيادة في المقام الأول إلى النمو الاقتصادي الإيجابي في الولاياتالمتحدة والإجراءات الاقتصادية المحفزة من الصين. وقد عززت هذه العوامل مجتمعة توقعات الطلب، حيث إن التحفيز الاقتصادي الصيني ونمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي الأقوى من المتوقع في الربع الرابع والانخفاض المفاجئ الأكبر من المتوقع بمقدار 9.2 مليون برميل في مخزونات النفط الأميركية الأسبوع الماضي، كانت محركات رئيسة لارتفاع الأسعار. وتعزز البيانات الاقتصادية القوية المعنويات الصعودية في أسواق النفط، إذ أدى الأداء الأقوى من المتوقع للاقتصاد الأميركي إلى تعزيز أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها هذا العام، ولم يتوقع الكثير من المحللين نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3 % في الربع الرابع. وقد أضافت ضربات الحوثيين المستمرة في البحر الأحمر وارتفاع أسعار شحن المنتجات زخماً للقضية الصعودية، إذ تجاوزت الأسعار حاجزًا نفسيًا مهمًا. وفي تطورات مؤثرات الأسواق العالمية، طلب البيت الأبيض من الصين المساعدة في كبح جماح المتمردين الحوثيين الذين يهاجمون الناقلات التجارية في البحر الأحمر، حيث تم استهداف سفينتي حاويات ميرسك الأسبوع الماضي على الرغم من مرافقة السفن الحربية الأميركية. وفي كندا، من المقرر أن تبدأ توسعة خط أنابيب ترانس ماونت، الذي تبلغ تكلفته 23 مليار دولار، عملها بحلول نهاية هذا الربع، مع بدء التدفقات التجارية الأولى من أبريل وتكثيفها إلى طاقتها الكاملة بحلول ديسمبر، مما يخفف الخصومات الهائلة للرمال النفطية المكونة من رقمين. وفي الإمارات، تدرس البلاد التوسع النفطي في أفريقيا، واختارت حكومة أوغندا شركة استثمارية من الإمارات العربية المتحدة، لبناء مصفاة بطاقة 60 ألف برميل يوميًا في البلاد بعد انهيار صفقة مع كونسورتيوم دولي في عام 2023. وفي المملكة المتحدة، تنتظر البلاد أغلى محطة نووية في العالم، إذ أعلن المطور النووي الفرنسي أن بناء محطة هينكلي بوينت سي النووية في المملكة المتحدة سيتكلف 13 مليار دولار إضافية، ليصل المجموع إلى 46 مليار دولار، وسيتم تأجيله عدة سنوات حتى عام 2029 على الأقل. وفي الولاياتالمتحدة، تسعى شركات التكرير الأميركية إلى فرض قيود على سوق ائتمان الوقود. وطلبت مصافي النفط الأميركية من إدارة بايدن تقييد المشاركة في برنامج ائتمان الوقود المتجدد الأميركي زاعمة أن آليات وكالة حماية البيئة الحالية تسمح لأي شخص بالمشاركة، مما يمهد الطريق للتلاعب. وفي سوق المصب، وافقت شركة توزيع الوقود الأميركية، سونوكو على شراء مشغل خطوط الأنابيب والمحطات نوستار للطاقة في صفقة تشمل جميع الأسهم مقابل 7.3 مليار دولار، مما يفتح قطاع الخدمات اللوجستية والبنية التحتية لشركة إينرجي ترانسفر التابعة. في تحدي أقرانها، ترى شركة شيفرون مستقبلاً في نيجيريا، ومع مغادرة الشركات الأوروبية مثل شل نيجيريا، كشفت شركة النفط الأميركية الكبرى شيفرون عن خطة لتوسيع وجودها في الدولة الإفريقية، ووقعت تجديدًا لمدة 20 عامًا على ثلاثة عقود إيجار للمياه العميقة واستحواذها على حصة في حقل نفطي رئيس. وفي سوق الشحن، وصلت أسعار الشحن لناقلات المنتجات النفطية إلى أوروبا إلى أعلى مستوى لها منذ أبريل 2020، حيث تبلغ تكلفة رحلة الخليج العربي - المملكة المتحدة عبر رأس الرجاء الصالح 8.25 مليون دولار الآن، بزيادة 60 % مقارنة بطريق قناة السويس التقليدي. وفي روسيا، تعرضت مصفاة روسنفت للقصف، وبعد أقل من أسبوع من ضرب طائرات بدون طيار أوكرانية لصهاريج مصانع نوفاتيك للنافثا في أوست لوغا، تعرضت وحدة التقطير الفراغي التابعة لشركة روسنفت لتكرير النفط توابسي البالغة طاقتها 240 ألف برميل يوميًا، لهجوم جديد، مما تسبب في نشوب حريق. وفي الصين، وصل الطلب الصيني على وقود الطائرات إلى مستويات قياسية جديدة ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب الصيني على وقود الطائرات مستويات ما قبل الوباء خلال احتفالات العام القمري الجديد القادمة، ليصل إلى 860 ألف برميل يوميا، حيث من المتوقع أن يقوم المسافرون الصينيون ب 80 مليون رحلة جوية محلية خلال تلك الفترة. وبحسب البنك الدولي، لا تزال أسعار النفط متقلبة وسط حالة من عدم اليقين الناجم عن الصراع الجيوسياسي، وقال بلغ متوسط أسعار النفط 78 دولارًا للبرميل في ديسمبر، منخفضًا من 94 دولارًا للبرميل في سبتمبر، مما يقوض جميع المكاسب التي تحققت في الربع الثالث من عام 2023. وشهدت أسعار النفط ضغوطًا نزولية وسط ضعف النشاط الاقتصادي العالمي، والإنتاج القياسي من الولاياتالمتحدة، واستقرار الإنتاج والصادرات من جانب روسيا. وظهر ضعف الأسعار على الرغم من المخاوف من تعطل الإمدادات في أعقاب جولة الصراع التي يشهدها الشرق الأوسط، وتمديد وتعميق تخفيضات الإنتاج من جانب منظمة أوبك والمنتجين من خارجها (أوبك+)، فضلاً عن إعلان الحكومة الأميركية عن مشتريات النفط لتجديد احتياطياتها الإستراتيجية من البترول. ومنذ بداية الصراع الأخير في الشرق الأوسط، كانت أسعار خام برنت متقلبة وسط تأثير جيوسياسي محتمل على المعروض ومخاوف من تباطؤ النمو العالمي. وتشير التقديرات إلى أن استهلاك النفط العالمي في عام 2023 سيصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، مدعومًا بالطلب المرن في الصين. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار النفط إلى 81 دولارًا للبرميل في عام 2024 وأن تشهد مزيدًا من التراجع خلال عام 2025، انخفاضًا من 83 دولارًا للبرميل في عام 2023. وتحتمل التوقعات حدوث تطورات إيجابية، منها تمديد تخفيضات أوبك+ إلى ما بعد الربع الأول من عام 2024، إلى جانب احتمال تعطل الإمدادات في الشرق الأوسط. أما النمو الأبطأ من المتوقع، لا سيما في الصين، فيشكل مخاطر حدوث تطورات سلبية رئيسة. وبلغت عائدات تصدير النفط الروسية أعلى مستوى لها خلال 12 شهرًا في سبتمبر. وبلغ متوسط إنتاج النفط الروسي 9.6 ملايين برميل يوميًا في عام 2023، بانخفاضٍ طفيف بلغ 0.2 مليون برميل يوميًا مقارنة بعام 2022. وحافظت الصادرات الروسية على مرونتها من خلال إعادة توجيه التجارة. وقد زادت حصة صادرات النفط الروسية إلى الصين والهند وتركيا بنسبة 40 % بين عامي 2021 و2023، مما عوض جزئيًا ما شهدته الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة والبلدان الآسيوية الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من انخفاضٍ بنسبة 53 %. وارتفعت عائدات تصدير الخام الروسي إلى أعلى مستوى لها خلال 12 شهرًا في سبتمبر وسط تزايد عدم اليقين بشأن السعر المخفض الذي يتم تداول النفط الروسي عنده. ويبدو أن روسيا تبيع نفطها بما يتجاوز سقف التداول الرسمي، حيث تجاوز حاجز 80 دولارًا للبرميل منذ يوليو 2023، وربما تقوم باستخدام "أسطول الظل" للتحايل على القيود الغربية. وبعد الانخفاض الأخير في أسعار خام برنت، انخفضت أسعار نفط الأورال الروسي إلى ما دون سقف سعر 60 دولارًا للبرميل في الأسبوع الأول من ديسمبر. وفي 30 نوفمبر، أعلنت عدة بلدان في أوبك+ عن مواصلة وتوسيع خفضها الطوعي لحصصها من إنتاج النفط، بإجمالي 2.2 مليون برميل يوميًا. وشمل ذلك الخفض الجاري بمقدار 1 مليون برميل يوميًا من جانب المملكة العربية السعودية وزيادة في خفض حصة روسيا من الإنتاج بمقدار 0.5 مليون برميل يوميًا. وحتى نوفمبر 2023، كان لدى تحالف أوبك+ 5.1 ملايين برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، أي نحو 5% من الطلب العالمي. وفي يونيو 2023، أعلنت أوبك+ عن استمرار التخفيضات الطوعية للإمدادات حتى ديسمبر 2024، وكان من المقرر أن تنتهي مبدئيًا في ديسمبر 2023. وتضمن هذا التمديد تخفيضات إضافية قدرها مليون برميل يوميًا من جانب المملكة العربية السعودية اعتبارًا من يوليو، و0.3 مليون برميل يوميًا من جانب روسيا بدايةً من أكتوبر. وأكد إعلان نوفمبر تمديد هذه التخفيضات حتى الربع الأول من عام 2024. وقاد المنتجون من خارج بلدان منظمة أوبك نمو المعروض العالمي في عام 2023. وكان الإنتاج في البلدان غير الأعضاء في أوبك+ قويًا في عام 2023، حيث تم تقريبًا تعويض تخفيضات الإنتاج من جانب أوبك+ عن طريق زيادات إنتاج هذه البلدان بقيادة الولاياتالمتحدةوالبرازيل وغيانا وإيران. وخلال الفترة من الربع الأول حتى الربع الثالث من عام 2023، تفاوتت الزيادة في المعروض الأميركي بين منتجي النفط الصخري، لكنها زادت بشكل عام بنسبة 5 % (على أساس سنوي). كما شهد الربع الثالث من عام 2023 أعلى إنتاج ربع سنوي، حيث تجاوز الرقم القياسي المسجل في الربع الأخير من عام 2021، وذلك قبل تفشي جائحة كورونا. واستشرافًا للمستقبل، من المتوقع أن يزداد المعروض العالمي في عام 2024، مدفوعًا في المقام الأول بالولاياتالمتحدة ثم البرازيل وغيانا وكندا. ووصل الطلب العالمي على النفط لأعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2023، مدفوعًا بشكل رئيسي بالطلب من جانب الصين. وزاد الطلب على النفط بمقدار 2.3 مليون برميل يوميًا في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، في حين ظل مستقرًا نسبيًا في الاقتصادات المتقدمة. وكان الطلب في الصين مرنًا بشكل مدهش، مدفوعًا بمجموعة واسعة من العوامل، ومنها نشاط قطاع النقل والمواصلات، الذي استمر في التعافي. وتشير التقديرات إلى أن الصين تمثل نحو 75 % من الزيادة التي شهدها الطلب على النفط في عام 2023. ومن المتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي للنفط بنسبة 2 % في عام 2023 إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 101.7 مليون برميل يوميًا، وأن يتباطأ إلى أقل من 1 % في عام 2024، مما يعكس التأثير المتأخر لتشديد السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة. وحول المخاطر التي تهدد الآفاق المستقبلية لأسواق النفط، أثار الصراع الأخير في الشرق الأوسط مخاطر جيوسياسية على أسواق السلع الأولية، حيث تمثل المنطقة ثلث تجارة النفط المنقولة بحرًا على مستوى العالم. وبالرغم من انحسار هذا السيناريو، فإن تصاعد الصراع، حسب مدته ونطاقه، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات حادة في إمدادات النفط. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من احتمالات حدوث تطورات إيجابية على آفاق سوق النفط، ومنها إمكانية تمديد السعودية وروسيا لتخفيضات الإنتاج أو زيادة مستوياتها. وبالرغم من الزيادة الأخيرة في إنتاج النفط، هناك أيضًا خطر ألا تتمكن صناعة النفط الصخري في الولاياتالمتحدة من تلبية زيادة الإنتاج التي تفترضها التوقعات، خاصة بحلول عام 2025. وترتبط مخاطر حدوث التطورات السلبية التي تهدد أسعار النفط في المقام الأول بأداء الاقتصاد العالمي الذي جاء أسوأ من المتوقع، وخاصة من جانب الاقتصاد الصيني. وتسهم هذه العوامل مجتمعة في الديناميات المعقدة لسوق النفط في مواجهة حالة عدم اليقين الجيوسياسية.