أعلنت شركة أمازون الأسبوع الماضي عن عزمها استثمار 4 مليارات دولار في شركة (أنثروبك) الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، إعلان أمازون هو التزام منها باللحاق بركب الشركات الكبرى في سباق الذكاء الاصطناعي، وهو ما يبدو أنها تخلفت عنه، رغم أن استثمار أمازون يعد كبيراً لكنه يتضاءل عند قياسه باستثمار مايكروسوفت 13 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح. وكما عبر العلماء عن قلقهم تجاه المستقبل بوجود ذكاء اصطناعي خارق لسنا مستعدين له، عبرت الشركات عن قلقها وحماسها في وقت واحد بسكب مليارات الدولارات دفعاً بالتقنية عميقاً إلى المستقبل. ما يحدث اليوم يذكر بتجارب سابقة ارتفع فيها الحماس للذكاء الاصطناعي ونتج عنه استثمارات كبيرة في وقتها لكنها لم تأتِ بالنتائج المتوقعة، المرحلة التي يمر بها الذكاء الاصطناعي اليوم ليست الأولى، فقد صعد الحماس في الثمانينات الميلادية وأنفقت الحكومة الأميركية وحدها في أبحاث الذكاء الاصطناعي ما يقرب من أرقام اليوم (6 مليارات دولار بالأسعار الحالية). ما أنفق حينها لم يذهب كله هدراً بكل تأكيد، إنما كان الإنفاق انعكاساً لحماس لا يقف على أرض صلبة، مما تسبب في ردة فعل عكسية لأن الآمال لم تترجم إلى الواقع. لعل الحماس الذي يرافق الذكاء الاصطناعي ليس له مثيل، فقد ظلت المخيلة ترسم صورة مستقبلية لعالم تتسيد فيه الآلة حتى يتحول الخادم مخدوماً، أصبح العالم الذي ترسمه روايات الخيال العلمي مؤثرًا بحيث يحدد التوجه العام للتقنية مسيطرًا على سرديته، تتجلى علاقة الأدب بالتقنية في مثال الذكاء الاصطناعي بحيث يرسم الأدب الخطوط العريضة لتكمل التقنية الباقي. ليس ذلك فحسب، بل يشعل الأدب المخيلة حتى تتلاشى الحدود بين الممكن والمستحيل، أو ما يظن أنه كذلك على الأقل. رغم كل ما يصحب مسيرة التقنية عموماً والذكاء الاصطناعي خصوصاً من إحباطات، إلا أن المؤشر العام للإنجازات في صعود، ما مرت به التقنية من إحباطات ليس بالضرورة ذنبها، إنما تعود للموارد التي لم تكن متوفرة حينها، البيانات التي تتوفر للشركات الكبرى اليوم بسبب الإنترنت، لم تكن متوفرة لغيرها في الثمانينات مثلاً، ولا يمكن إحراز تقدم حقيقي دونها، التقدم في صناعة المعالجات المركزية من حيث المواصفات والكلفة، وفي السنوات الأخيرة خصوصاً، ساهم في كفاءة معالجة البيانات الضخمة ومكن من تطبيق كثير من الخوارزميات التي لم تطبق من قبل. الذكاء الاصطناعي ليس بمعزل عن المحيط به من ممكنات تقنية أو غير تقنية. يبدو الذكاء الاصطناعي دائماً في الواجهة، مثل كل البرمجيات التي نستخدمها اليوم، إنما الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فوراء كل برنامج شبكة معقدة من التقنيات والخبراء الذين يعملون مدار الساعة لتستمر البرمجيات في أداء دورها، ومع كل ما قدمه الذكاء الاصطناعي من تقدم، فهو ما زال محتاجاً لبنية تحتية متقدمة تواكبه.