منذ القدم ارتبط الجمل الملقب ب»سفينة الصحراء» بالجزيرة العربية وإنسانها، فهو رفيق البدوي في حله وترحاله، يمخر عباب رمال الصحراء على ظهر ناقته أو بعيره مثلما تمخر السفن عباب الأمواج المتلاطمة في أعالي البحار، يتغذى من لحمها وحليبها، ويكتسي ملابس من وبرها، ليبقى الجمل عنصرًا أساسيًا من لوحة الخيام وبيوت الشعر ورمال الصحراء، وحياة التنقل التي عاشتها أجيال وأجيال على أرض الجزيرة والمملكة العربية السعودية. كما ارتبطت الإبل بملاحم تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود ورجاله الذين وحدوا تراب الوطن ومناطقه على ظهور الخيل والجمال. أيقونة ثقافية وتأكيدًا لاهتمام المملكة وعنايتها بتراثها الثقافي وموروثها العريق، وترسيخ عناصر الهوية الحضارية والتاريخية والثقافية لهذا الوطن، صدرت موافقة مجلس الوزراء مؤخرًا على تسمية عام (2024) ب»عام الإبل»، ترسيخًا لمكانة الإبل باعتبارها موروثًا أصيلًا، وأيقونة ثقافية تعبر عن الهوية السعودية. وتعد الإبل من أهم عناصر التراث الثقافي الذي أولته الدولة اهتمامها وذلك لارتباطها بحياة الشعب السعودي، حيث ارتبط أبناء المملكة وأهل الجزيرة منذ القدم بتراثهم الذي يحرصون على الاعتزاز والفخر به، وبقائه حيًا عبر العصور والحقب. التكيف مع الصحراء واشتهر الجمل باسم «سفينة الصحراء» نظرًا لقدرته الفائقة على التأقلم والتعايش مع جفاف وظروف الصحراء حيث يندر العشب والماء، وعرف الجمل بقدرته على تحمل العطش بسبب خصائص تحمل نقص الماء في أنسجة جسمه، حيث لا يفقد الماء من سائله الدموي إلا بنسبة ضئيلة للغاية. كما أنه يتحمل فقد الماء حتى 30 % في حين أن باقي الكائنات الحية تموت إذا زاد فقد الماء من أجسامها على 20 %. وأوضحت دراسة نشرتها دورية «نيتشر» العلمية عام 2021، دور كليتي الجمل العربي في مساعدته على التأقلم مع الظروف الصحراوية القاسية، والقدرة على تحمل العطش وعدم ورود الماء لأسابيع. وذلك بفضل الكلى المتطورة التي تنتج بولًا عالي التركيز يسهم في عدم إهدار الماء من الجسم. ويسمى الذكر بالجمل، والأنثى ناقة، والقطيع الإبل، والصغير قبل الفطام الحوار، وبعده يسمى الفصيل، وتنقسم الإبل إلى نوعين الأول بسنام واحد يعيش في مناطق شمال أفريقيا والصحراء الكبرى والشرق الأوسط وصحراء الربع الخالي، والثاني الإبل ذات السنامين التي تنتشر في منطقة آسيا الوسطى. ويقول عيسى شريم المشفى من محبي وملاك الإبل بمنطقة الجوف أن ارتباط الإنسان بالجمال قديم، ويبلغ من الألفة بين هذه الكائنات والإنسان أنها تميز صوت صاحبها وصوت سيارته، مبيناً أن الإبل نوعان: المجاهيم ويغلب عليها السواد، والمغاتير وتشمل الوضح والشقح والشعل والحمر والصفر، ويطلق على أعدادها الزود والمتن والهابط، مشيرًا إلى أن الإبل موروث شعبي وجد العناية من الحكومة الرشيدة من خلال إقامة المهرجانات والسباقات، وفي منطقة الجوف أقيم ميدان الهجن بمدينة سكاكا، وكانت بدايات الميدان نحو عام 1390 هجري مضيفًا أنه كان حينها عضوًا في إحدى اللجان المنظمة للمنافسات. وقال المشفى: إن مختلف مناطق المملكة تشهد إقامة مهرجانات وندوات عن الإبل وأنواعها وتربيتها وما يتعلق بها، مشيرًا إلى أنها ارتبطت بالحج للبيت العتيق حيث كان الناس يأتون عليها من أنحاء الجزيرة والعراق والشام وغيرها لأداء فريضة الحج بمكة المكرمة. نحت على الصخر ووثقت الاكتشافات الأثرية الحديثة العلاقة بين إنسان الجزيرة العربية والجمال منذ آلاف السنين، حيث عثر في سكاكا بمنطقة الجوف شمال المملكة على موقع أثري تمت تسميته «موقع الجمل» وكشفت دراسة علمية بأن الموقع يضم 21 نحتًا مجسمًا، منها 17 لجِمال واثنان من فصيلة الخيليات، وقد يكون أقدم موقع في العالم لنحت الحيوانات المجسمة بالحجم الطبيعي. وبحسب الدراسة العلمية يعود عمر الموقع إلى فترة العصر الحجري الحديث ما بين 5200 - 5600 سنة قبل الميلاد ما يشير إلى قدم وجود الإبل في الجزيرة العربية. مهرجانات وقيمة اقتصادية وتحتضن المملكة سنويًا مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، الذي ينظمه نادي الإبل، في أرض الصياهد، على بعد 120 كيلومترًا شمال شرق الرياض، ويهدف المهرجان إلى تأصيل الاهتمام بالإبل بوصفها موروثًا أصيلًا في الثقافة السعودية والعربية، وتشجيع المحافظة على السلالات المتميزة في عالم الإبل وتنميتها، مما تعكس جائزة الملك عبد العزيز لمزايين الإبل حجم الاهتمام بالإبل وما تمثله من قيمة ثقافية واقتصادية وحضارية في المجتمع السعودي. وكانت منطقة الجوف قد احتضنت أول سباق للهجن على مستوى المملكة عام 1383 للهجرة حيث دشنه أمير الجوف حينها الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري. يذكر أن وزارة الثقافة ستتولى الإشراف على «عام الإبل 2024» وستعمل على إبراز قيمة الإبل وارتباطها بالهوية السعودية، عبر مبادرات وبرامج متنوّعة، تنفّذها الوزارة بالتعاون مع شركائها، لتعزيز الجهود الوطنية لتنمية قطاع الإبل وزيادة مستوى مساهمته في التنمية الوطنية.