كانت أول زيارة لي للأديب والمثقف بدر بن حمد الحقيل في أوائل 1430ه في منزله، وكان انطباعي عن هذا اللقاء مع شخصه إيجابياً، حيث كان الحديث عن الأدب والشعر والكتب وسائر فنون المعرفة، فهو قارئ ومطلع على الثقافة القديمة والمعاصرة. ومن تلك الأيام تكررت وتوالت زياراتي للحقيل ما لم يكن مسافراً إلى مصر حين كان يأوي إلى مسكنه في القاهرة، خاصةً إبان بداية معرض القاهرة الدولي للكتاب، فكان من أوائل الذين قد صحبوا الكتاب وجعلوه نديماً وسميراً وأنيساً وصديقاً؛ لأنني أعرف هذا من خلال النقاش معه في الثقافة التراثية والحديثة، وليس كما قيل لي، بل هي جلسات دائمة، هو قارئ يختزن ما قرأ من الفنون الأدبية، وهو قارئ حصيف لا يمكن أن يسيطر عليه المؤلف في طرحه وأسلوبه الساحر الجذاب، سواء كان طرحاً أدبياً تراثياً قديماً أو حديثاً، وهذه الميزة ليست في كل القراء، فثمة قراء يتأثرون ويظهر هذا الأمر فيهم، وأنعم بهذا الأمر إذا كان إيجابياً ونافعاً وبئس التأثير السلبي للقارئ، وكما أن الكلام الفصيح البليغ في الخطيب أو المتحدث البليغ له تأثير على سامعيه فكذلك الكتابة التأليفية أو المقالية قد تكون أبلغ وأقوى صدى في نفس القارئ، وإن من الكتابة لبلاغة تزلزل القارئ وتبقي بين جوانحه أثراً عميقاً لا يزول ولا يمحى، وفي هذه السطور الموجزة سنتعرف على بدر الحقيل من حيث التعلم وسيرته مع الكتاب والآداب والكلمة وبعض من حياته الوظيفية. ولد الأستاذ الأديب الإداري والكاتب الصحفي بدر بن حمد الحقيل في المجمعة، وفيها نشأ ثم تعلم في المدرسة السعودية، ثم انتسب إلى المعهد العلمي هناك، الذي كان فتحاً علمياً ودراسياً في إقليم سدير، وقد جُلب للتدريس في هذا المعهد نخبة من الأساتذة في اللغة العربية والأدب والشريعة؛ لأن من المقررات في هذا الأساس الشريعة وفروعها واللغة العربية. يُذكر أن هذه المؤسسة التعليمية في المجمعة عُيّن فيها الإداري التربوي الشيخ عثمان بن حمد الحقيل - رحمه الله - وكيلاً، ثم أصبح بعدها مديراً، وقبلها كان وكيلاً للمدرسة السعودية في المجمعة، وعثمان كان له تأثير إيجابي على بدر الحقيل، وسنذكر ذلك في الكلمات المقبلة. مبادر ومتفاعل كان المعهد العلمي بالمجمعة قد أُسّس فيه نادٍ للطلبة، فكان بدر الحقيل مبادراً في التفاعل مع هذا النادي، وذلك بإلقاء كلمات معدة، ومن تلك المشاركات ما ألقاه في نادي الطلبة بتاريخ الخامس من شهر رجب عام 1376ه بعنوان: "تاريخ وأدب القصة العربية"، وهذه كانت كلمة طويلة تعبر عن تاريخ القصة العربية على امتداد العصور العربية، وتوضح بشكل ظاهر أن بدر الحقيل كان له اهتمام وعناية بالأدب عموماً وبالقصة بنحو أخص منذ فجر شبابه، ومن خلال قراءتي لهذه المقالة البكر في حياة شخصيتنا الأدبية نجد النضج لفن القصة العربية منذ تلك السنوات، فهو يقول في مقالته هذه الممتعة: "والثقافة العربية على ترادف أحقابها تزخر بالقصة العربية مختلفة الأشكال والألوان، فالمجرى القصصي في هذه الثقافة موصول لا ينضب له معين وكل اتجاه ومنحى من مناحي الحياة له مجال". وأكد بدر الحقيل الاهتمام العربي بالقصة منذ بواكير التدوين للعلوم قائلاً: "لقد تحدث مؤرخو الأدب المعاصرون عن تاريخ القصة العربية، فبدؤوا بالترجمات عن الفارسية والعصور المتقدمة وتطرقوا إلى مقامات الحريري والهمذاني واليازجي وغيرهم وبالقصص الشعبية التي نمت وازدهرت فيما تلا من العصور"، هذا نموذج من مقالة شخصيتنا يوم أن كان تلميذاً في المعهد العلمي بالمجمعة. خزانة متنوعة والقراءة وعالم الكتاب جزء من حياة بدر الحقيل، وليس جزءاً هامشياً، أو بمعنى أنه يكون من آخر أولياته أو حسب المتاح له من الوقت أو عند الفراغ من الأشغال، بل إن القراءة كانت له بمثابة الغداء اليومي والزاد الضروري، لهذا تكونت لديه مكتبة ضخمة أطلعني عليها شخصياً أكثر من مرة، وبها ما يقارب أحد عشر ألف كتاب، فهي خزانة متنوعة ويغلب عليها طبعاً كتب الأدب والدواوين الشعرية القديمة العربية ومعاجم اللغة، إضافةً إلى الكتب الحديثة لكتّاب وأدباء مصر والشام والعراق وأصحاب القلم من بلادنا، وكذلك الكتب التاريخية والجغرافية، إلى جانب كتب الرحلات وكتب الفكر، والحقيل له عناية خاصة بكتب ومؤلفات د. طه حسين، فلقد قرأ أغلبها منذ وقت الشباب، وكان دائماً يتحدث عن د. طه، وسمعته أكثر من مرة يشيد بأدبه وانتشار كتبه في العالم العربي، وأحياناً يطربنا بدر الحقيل ببعض جمل وعبارات د. طه حسين ومنها ما كان في حفل رسمي حضره رئيس جمهورية مصر آنذاك جمال عبد الناصر في يوم العلم. حُب القراءة وعندما سألت بدر الحقيل: من كان له دور في حبه للقراءة؟، أجاب قائلاً: "إن شقيقي عثمان، كان له دور كبير في تعلقي بالكتاب، فقد كان يرجع من سفراته من مصر والشام في السبعينات الهجرية حاملاً معه أسفاراً من الكتب، والأسفار في مختلف المعارف لتزويد مكتبة المعهد، وكذلك لدعم مكتبته الخاصة المنزلية". وفي مقال لبدر الحقيل عن شقيقه عثمان الحقيل يذكر أن الفضل له من حيث العشق للكتاب قائلاً: "أذكر في عام 1377ه سافر عثمان إلى سورية ومصر وجاء محملاً بنفائس التأليف وأمهات الثقافة ومصادر الأدب والتاريخ والتفاسير ودواوين الشعر وكتب الفقه، حيث لم يحفل مجتمعنا بهذا النوع ولا الرغبة في اقتناء الكتب"، مضيفاً: "ولا أنكر أن هوايتي التي تكونت باقتناء الكتب وزيارة المعارض العلمية في العالم ورثتها من هذا الأخ الفذ في أخلاقياته وسمو مقاصده". من جانب آخر فإن عثمان الحقيل قد زرته في منزله وأطلعت على مكتبته الخاصة، وكانت فريدة من نوعها، وهو قد أسس أكثر من مرة مكتبة خاصة، فليست هذه المكتبة هي الأولى ولا الثانية، وأخيراً أهداها إلى مكتبة الملك فهد. ومن عبارات بدر الحقيل عن القراءة: "القراءة المفيدة مبدأ ووسيلة لتحقيق حياة أفضل"، "المكتبات عنصر مهم لنشر الثقافة والوعي"، "القراءة مفتاح نهضة الشعوب والأمم"، "الثقافة هي المدرسة الحقيقية وبدونها لا يكون للمعلومات التي نتلقاها أثرها المنشود"، "القراءة فضلها على المجتمع في النفوس وفي اكتمال الشخصية"، "أن من مزايا القراءة أن نفهم النظريات الإنسانية المثالية والوعي القومي والوقائع التاريخية التي غيرت مجرى التاريخ من كل وجه". لقاء نجيب محفوظ وبدر الحقيل في إحدى سفراته المتكررة لمصر وفي القاهرة التقى بالكاتب الكبير والروائي الشهير نجيب محفوظ 1987م، حيث كان اللقاء في أحد فنادق القاهرة، وكان الأديب نجيب قد اعتاد أن يشرب قهوة المساء في هذا الفندق، وقال: "التقيت بالأديب نجيب محفوظ في إحدى الأمسيات، مع مجموعة من أصحابه وأصدقائه، وكان الحديث ذا شجون، فطرحت عليه بعض الأسئلة أثناء حواري معه ومنها أن د. طه حسين قد ذكر في ندوته المعروفة في دارته عام 1965م مع مجموعة من الأدباء والمفكرين أن من يكتب بالعامية لا يفهمه إلاّ نسوان الإسكندرية وأما من يكتب باللغة الفصحى فيفهمه كل العرب من المحيط إلى الخليج، فطرحت على الأستاذ نجيب: "ما هو تعليقك على كلام د. طه؟"،، فعلق قائلاً: "د. طه حسين يجيد الكتابة باللغة الفصيحة سواء كان رواية أو قصة، وأنا أكتب العامية لأخاطب ضمير ووجدان الشعب المصري"، ثم سألته: "ما هو الجديد لديكم؟"، فأجاب: "أكتب هذه الأيام قصة جديدة وسأحاول إنجازها قريباً"، ثم سألته عن الأدب السعودي وقال: "إنني أقرأ ما يهدى إلي من كتب ودراسات عن القصة والرواية وفيها الشي الجيد والقيم والممتع"، ثم سألته: "ماذا رأيت خلال مشوار عمرك المديد، خلاصة تجربة حياتك؟"، فأفاض: "إن الإنسان يعيش حياته التي قدرت له وليس له خيار غير ما كتب له"، ثم دعوته إلى منزلي -الكلام لبدر الحقيل- ووعدني أن يأتي، لكن ظروفه الصحية لم تساعده على المجيء. خواطر متزاحمة وبدر الحقيل من هواة الكتابة الصحفية، بل إنه أسّس صحيفة أطلق عليها "الطليعة" يوم أن كان طالباً بالمعهد العلمي بالمجمعة، وتحدث عن هذه الهواية قائلاً: "إنني أحد الهواة القدامى، ومن عشّاق الحرف والكلمة، وفي إبان تلمذتي بالمعهد العلمي تبنيت صحيفة الحائط وأسميتها "الطليعة" تيمناً بهذا الاسم المبارك، ومنها استمرت الكتابة في صحف ومجلات قديمة مثل: الإشعاع واليمامة والرياض والجزيرة والشرق الأوسط عدة مرات، وفي كتابات متقطعة ومواضع مختلفة، ولا أحب أن أرهق القارئ العزيز في هذا السرد الممل، فهي خواطر متزاحمة ساقت بعضها البعض، لذلك أجدد تساؤلي: ماذا أكتب؟، وهل يستحق ما أكتبه اهتمام القارئ ورغبته في قراءة ذلك؟، لكنني تيمناً بمؤلف أديبنا طه حسين حيث ألّف كتابه واسماه (من لغو الصيف) لعل هذه الأسطر نعدها من ذلك. أدباء وكتّاب وتحدث بدر الحقيل عن حبه للسفر، والتي من أهدافه اللقاء بالأدباء والكتّاب والمفكرين قائلاً: "ومن جانب آخر وحيث إنني من عشاق السفر والتجوال وكثير الرحلات في مدن وعواصم العالم فقد قابلت الكثير من المفكرين وأساطين الأدب الحديث، وهذه اللقاءات تثري العقل وتغذي المفكر وتضيف إلى حصيلة المرء معلومات وتجارب، لذلك أحرص تمام الحرص على الالتقاء بهم ومعرفة مذاهبهم الفكرية والسياسية ورؤيتهم في الحياة، ومن هؤلاء المفكر الفلسطيني كلوفيس مقصود -مدير مكتب جامعة الدول العربية في واشنطن-، وجرى حوار أخوي بيني وبينه طويل عن مستقبل العالم العربي وتطلعات ورؤية جامعة الدول العربية، وكان لقاء منقوش في الذاكرة، وأما في القاهرة فلي فيها عدة لقاءات كثيرة وبالأخص عندما يقام معرض الكتاب الدولي بالقاهرة ويقام هناك ندوات، فكان الأخ والصديق الأديب سمير سرحان -رئيس هيئة الكتاب- يدعوني إلى هذا المعرض الزاخر وهناك تعرفت على جمهرة من الكتّاب المصريين وغيرهم من أدباء العالم العربي، من أشهرهم الكاتب اللبناني سهيل إدريس الذي عرفته عن قرب في بيروتوالقاهرة وهو صاحب دار نشر في بيروت، وصاحب المجلة الرائدة الآداب اللبنانية المشهورة، حيث تستكتب كبار الأدباء أمثال العملاق ميخائيل نعيمة". وعبر كلمات ودية أرسلها بدر الحقيل إلى حمد الجاسر وبصحبتها هدية وهي رحلة المستشرق لويس بلي، أجاب الجاسر على هذه الرسالة بكلمات نقطتف منها: "ولقد سررت حقاً من اتجاهك لجمع نوادر الكتب المتعلقة بتاريخ بلادنا، مما قد لا يتمكن كل أحد من الحصول عليه، والاستزادة من العلم محمودة، لهذا لا أجد غضاضة -بعد أن أقدم لك الشكر صادراً عن تقدير واعتراف بفضلك- من إبداء رغبتي باتحافي بما قد ترى فيه ما أستفيد منه". أعمال ووظائف وتخرج بدر الحقيل من كلية اللغة العربية بمدينة الرياض، وتولى بعد ذلك عدة وظائف خدم من خلالها الدولة 37 عاماً ما بين وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة المالية والاقتصاد الوطني، وأخيراً عضواً بمجلس الشورى اعتباراً من 3 /3 /1430ه، وكذلك عضواً في لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، وقد شارك في عدة لجان متعددة بوزارة المالية وقبلها كان قد طوّر نفسه إدارياً وفنياً في دورات داخلية وخارجية، ولا يزال فاتحاً منزله لأصدقائه ومحبيه، لكنه في أغلب الأوقات معتكف في مكتبته العامرة، فالكتاب هو الصديق الأول والأخير. وأصدر الحقيل كتاباً بعنوان (رحيق القلم) قبل سنوات جامعاً فيه مقالاته الصحفية التي كتبها بالصحف المحلية والرسائل التي وردت إليه من مختلف الشخصيات. أصدر الحقيل كتاباً بعنوان: رحيق القلم مكتبته ضمت الدواوين الشعرية القديمة والكتب الحديثة الحقيل اهتم بالأدب والقصة منذ فجر شبابه بدر الحقيل كان عاشقاً للسفر