على صهوة الخيل وفي شُسوع هذه الأرض؛ صدحت قصائد تؤرخ المعركة وترصد فرحة الفوز، تحفظ للعدو مناقبه ولا تنتقصه، إذ تُصوّر برونق بيانها وبلاغة فحواها وقائع وطبوغرافية المعركة وليلها الأليل، مؤجِّجةً مشاعر الفخر ومُهيِّجةً للحماسة، ترجو الخلود لوقع حوافر الخيل وصليل السيوف.. حتى إذا قلبنا صفحات الأدب استوقفتنا روائع شعرية خطها الفرسان الشعراء من خلال أسنّتهم وقِلامهم. ولا يخطر في الأذهان حين نقرأ مفردة «فروسية» سوى معاني الشجاعة والإقدام والبطولة، وهي سمة الجَسور وسحنة المقدام، الذي يشق طريقه إلى المعركة برباطة جأش وينازل خصومه في لحظات دامية مثبتاً قدراته وقوته، كي يُسطّر مجداً يلصق باسمه ويسمو بجماعته، وفي الوقت ذاته؛ اعتُدّ بالشعر بوصفه منبراً لا يشبهه منبر، وقولاً لا يناطحه قول، لأنه نافذة التعبير الأولى عند العرب، التي سبكت مشاعرهم بفصاحة رصينة، ليكون اجتماعُ هاتين الصفتين تجانساً مثالياً يحتفي به الرجل العربي، مذيعاً من خلالهما شهامته وكرامته. وهكذا غدا الشعر مهنداً يمتشقه الفارس.. إلى أن صار يُذكر بأن مَلَكة النظم ما هي إلا تَتِمّةٌ لصفات الفروسية، وقد امتلأت ذاكرة الأدب العربي بمثل هؤلاء، كعنترة بن شداد، وعدي بن ربيعة، وعتيبة بن الحارث، وعامر بن الطفيل الذي صاغ اعتزازه بسطوة قومه: سِرنا نُريدُ بَني نَهدٍ وَإِخوَتَهُم جَرماً، وَلَكِن أَرادَ اللَهُ هَمدانا ومن المعلوم أن الأدب العربي يفيض بالكثير من هذه المرئيات المدهشة، المبثوثة في يوميات الإنسان السعودي؛ كما عززت حضورها مبادرة عام الشعر العربي الذي أطلقتها وزارة الثقافة، وفي حين أن عام 2023 وداع وهو المتوشح باسم المبادرة؛ يترقب محبّو هذا الجنس الأدبي مهرجان الشعر النبطي المقام من 27 ديسمبر إلى 30 ديسمبر ، لتلمُّس القصيدة الشعبية والاقتراب من مكانة الشعر النبطي وأهميته في ثقافة الفرد والمجتمع. ولئن كان الشعر النبطي امتداداً لإرث أدبي عريق ورافداً من روافد الثقافة الهامرة في أرض الوطن، فثنائية الفارس الشاعر حاضرة بهيبتها واعتباراتها، حيث تشكلت في أعقابه شخصيات مزجت الدورين في ذات واحدة، وباتت هاماتٍ تَشِي بالفروسية وقاماتٍ تُومِئُ إلى الشاعرية، لا تختلف عن أسلافها الفطاحلة، حتى كتبوا نفائس تُردّد إلى وقتنا الحاضر، ترصد مغامرات الفرسان وفق الجمالية التي يضفيها الشعر النبطي. وممن صانوا في أشعارهم غاراتِهم واقتحموا بخيولهم ميادين الفروسية، الشيخ والفارس محمد بن هادي بن قرمله، وهو ممن أظهر شدة شكيمته في أبياته، وصنع من خلالها دعاية عنه وعن عشيرته تدب الذعر في قلوب الخصوم، منها: اتبع مصالحهم بلين وشده واكسر بهم عظم الحريب الموالي ويقول: أنا جنودي كثر جوج وماجوج وحريبنا لو هو بعيدِ نصيناه ويُعتبر الشيخ راكان بن حثلين قامة في الفروسية والشعر، وقد كان طموحاً لا يفتأ عن تحقيق الأمجاد لجماعته بفضل دهائه وذكائه، حيث ترعرع في أجواء تسودها قيم القيادة والسؤدد، ووصف كرّاتِ قومه قائلاً: وليا تعلّوا فوق مثل الشياهين مركاضهم يشبع وحوش تحومي نوب سلاطينٍ ونوب شياطين وكم شيخ قومٍ توهّم مايقومي أما الشيخ جهز بن شرار فقد كسب حظوته لدى الملك المؤسس الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- نظيرَ صدقِه ووفائه في فعله وقوله. وفي أحد المعارك التي خاض غمارها؛ امتدح أعداءه في لفتة نبيلة متجذرة في أبناء المجتمع السعودي: يوم اختلط للعج والملح فيه رجنا على قوم الشيوخ القديمين شيوخ الصخا صبابة الشاذليه أيضا والى جت الفعايل مديحين ما اذمهم والله رقيب عليه معي الله والقبايل معيين وكذلك عُرف الشيخ جمل المكي الرفاعي بإقدامه وحسن أبياته، وبايع هو وقومه الملك المؤسس عبد العزيز -طيّب الله ثراه- ومما قال: ياما سرانا فوقهن من غداري وياما انقطع في ثارهن من عوى ذيب وياما وردنا فوقهن من خباري ماها قراحٍ ما هوته الدغاليب وياما لطمنا من حريبٍ يماري وحنا الصقور اللي تحنّي المخاليب ارتباط الشعر بصهوة الخيل جمل المكي صورة لراكان بن حثلين عام 1875م صورة منسوبة لجهز بن شرار