أحد أبرز إفرازات جائحة كورونا، المساهمة في تسريع تَحول معظم المجتمعات على مستوى العالم، بما في ذلك المجتمع السعودي إلى مجتمع تقني بامتياز، يَعتمد بدرجة كبيرة على استخدام أحدث تقنيات العصر لقضاء حاجاته الحياتية والمعيشية، بما ذلك التسوق وشراء السلع والخدمات من خلال استخدام المواقع الإلكترونية والتطبيقات الذكية المختلفة. من بين التطبيقات التي شهدت حضوراً وانتشاراً واسع النطاق بشكل غير مسبوق بالمملكة العربية السعودية، خدمة توصيل طلبات الوجبات الغذائية للمنازل، وبالذات الوجبات الغذائية السريعة من خلال العديد من التطبيقات الذكية المنتشرة على مستوى المملكة. دون أدنى شك بأن خدمة توصيل طلبات الوجبات الغذائية للمنازل، خدمة جليلة ورائعة، لتسهيلها على المستهلك عناء الخروج من المنزل، مما سيوفر عليه الوقت والجهد، بما في ذلك المساهمة في التخفيف من حدة الازدحام المروري على الطرقات المختلفة والمحافظة على البيئة بما تنفثه عوادم المركبات من غازات سامة، كأول وثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات الضارة بصحة الإنسان. ولكن وبالرغم من أهمية تلك الخدمة، إلا أنها محاطة بالعديد من أوجه القصور المرتبطة من حيث الأداء، ما يتسبب في تشويهها والتقليل من منافعها وفوائدها الاقتصادية والاجتماعية. من بين أبرز أوجه القصور وأهمها؛ تفاوت الالتزام بمعايير سلامة الغذاء من شركة إلى أخرى، بما في ذلك التزام قائدي وسائل التوصيل أو النقل، والتي من بين أبرزها الدراجات النارية باشتراطات السلامة المرورية، وسلامة صحة الغذاء، وفق المعايير الموضوعة من قبل الجهات المسؤولة بالدولة، كوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، والإدارة العامة للمرور وغيرها من الجهات ذات العلاقة. إن عدم التقيد بأدنى اشتراطات سلامة الغذاء ووسيلة وأسلوب نقله، سيتسبب قطعاً بالإضرار بصحة الإنسان، سيما وأن الحاويات التي ينقل بواسطتها الطعام تفتقر في الأساس لاشتراطات السلامة الصحية، حيث يبدو بعضاً منها من حيث المظهر الخارجي بالياً ومهتراياً غير آمن صحياً كوسيلة لنقل الطعام. والإشكالية الأخرى لخدمات التوصيل، والتي نلحظها بشكل يومي بطرقاتنا وفي شوارعنا، عدم التزام قائدي وسائل النقل، وبالذات قائدي الدرجات النارية بالضوابط المرورية، وبالذات من حيث وسائل السلامة الضرورية لسلامة قائد الدراجة، كارتداء الخوذات الواقية للرأس من الإصابات المحتملة في حال وقوع حادث سير لا سمح الله، وغيرها من وسائل الحماية والوقاية. كما أنه من الملاحظ تهور قائدي الدراجات النارية وعدم التزامهم بمسار محدد بالطريق وتداخلهم مع المركبات العادية، مما يتسبب في وقوع حوادث سير مؤلمة وجسيمة، هذا بالإضافة إلى أن الدراجات تفتقر للمتطلبات المرورية، التي تؤهلها للسير بالشوارع والطرقات، كأنوار الإضاءة الأمامية والخليفة وإلى غير ذلك من تلك المتطلبات المرتبطة بسلامة وسائل النقل المتحركة على الشوارع. شَخص الكاتب القدير الأستاذ صالح عبدالله المسلم، بمقال بعنوان "خطر يتجوَّل في الشوارع" نُشر بصحيفة المدينة بتاريخ 30 ديسمبر2023 واقع حال الدراجات النارية التي تجوب شوارع العاصمة الحالمة بكلِّ فوضويَّة وإزعاج، حيث يتسارعُونَ لتوصيل الطلبات؛ ليكون لهم من الكعكة أكبر قطعة على حساب النَّاس وراحتهم، والأُسر والعوائل، فكثرت الحوادث، وانتشرت الفوضى؛ وخلقوا فوضى عارمة بكلِّ تفاصيل الحياة، ومُخترقين كلَّ بنود وأبجديَّات ومبادرات وبرامج (جودة الحياة)، كاسرين الأنظمةَ والقواعدَ. أتفق مع الكاتب بضرورة تَدارك الأمر قبل تفاقمه، سيما في ظل انتشار خدمات التوصيل للمنازل عموماً والوجبات الغذائية خصوصاً، بحيث أن يكون هناك وكما أشار الكاتب تقنين ووضع قواعد وأوقات ومسارات ولوائح لا يتجاوزها قائدي وسائل نقل الوجبات الغذائية ولا شركاتهم. كما أن هناك ضرورة ملحة لشركات التوصيل بإلزام قائدي وسائل التوصيل، وبالذات الدراجات النارية بتعليمات وقواعد السير الواردة في نظام المرور، بما في ذلك ارتداء الخوذة أثناء القيادة. كما أن الأمر يتطلب إلزام شركات التوصيل بالتقيد الحرفي بمنصوص المادة الثالثة والثلاثين من نظام العامل الصادر عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. أتطلع لوضع شروط ومواصفات قياسية لوسائل توصيل الطلبات، بما في ذلك الحاويات وحافظات الطعام، بحيث تتوفر فيها شروط المحافظة على سلامة الطعام. وأخيراً، أتطلع إلى إلزام شركات التوصيل باستخدام وسائل نقل صديقة للبيئة، تعكس الصورة الحضارية للمملكة ومتطلبات برنامج جودة الحياة.