في الخطاب الملكي السنوي الذي ألقاه نيابة عن الملك سلمان بن عبدالعزيز في افتتاح السنة الرابعة للدورة الثامنة لمجلس الشورى السعودي، تحدث الأمير محمد بن سلمان عن الإنجازات التي حققتها المملكة، وقال: «إن بلادنا ماضية في نهضتها التنموية وفق رؤية 2030 وبرامجها الطموحة»، مشيراً إلى مراتب متقدمة احتلتها المملكة في أكثر من 50 % من مؤشرات التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهي المؤشرات الأبرز للتنافسية العالمية، والتي تعكس مستوى تطور الدول على صعيد مختلف مجالات التنمية، حيث أصبحت المملكة بالفعل ضمن قائمة الدول العشرين الأكثر تنافسية عالمياً، وذلك اعتماداً على مؤشرات عدة حيوية أبرزها تطور الاقتصاد السعودي ليكون الأسرع نمواً على مستوى مجموعة العشرين في عام 2022، بمعدل نمو 8.7 % في الناتج المحلي الإجمالي، والأهم أن الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية قد ارتفع بنسبة 4.8 %، إذ سجل ثاني أسرع نمو في مجموعة العشرين، منافساً الاقتصاد الهندي الذي يمر بمرحلة انتعاش كبيرة، أشار ولي العهد السعودي أيضاً إلى طفرة نوعية هائلة في مجال السياحة بالمملكة، واصفاً إياها بالأداء التاريخي»، حيث حقق هذا القطاع نمواً بنسبة 64 % خلال الربع الأول من عام 2023، فضلاً عن المعدلات المتزايدة للسياحة الدينية والتي تندرج ضمن أهم مستهدفات رؤية 2030. على صعيد السياسة الخارجية، تحدث سمو ولي العهد أيضاً عن إنجازات ملموسة حققتها الدبلوماسية السعودية خلال العام الجاري، حيث استضافت المملكة العربية السعودية العديد من القمم الدولية والإقليمية الكبرى، بإجمالي مشاركين بلغ نحو 100 دولة، كما قادت المملكة تحركاً عربياً إسلامياً مهماً من خلال القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، لبناء موقف موحد حيال المأساة الإنسانية الحاصلة في قطاع غزة، حيث تنتهج المملكة العربية السعودية نهجاً هادئاً بتوظيف مكانتها واتصالاتها وعلاقاتها الدولية من أجل وقف نزيف الدماء والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع. كلمة ولي العهد السعودي التي تمثل محصلة للأداء المؤسساتي للمملكة على الأصعدة التنموية كافة خلال العام المنصرم، إنما تعكس نجاحات كبرى تحققت في المجالات كافة، ولكن يبرز الاقتصاد من بين كل هذه النجاحات، كونه يعكس حالة الأداء الخططي العام بالبلاد، وكيف يجري الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة من أجل تحقيق الأهداف وتنفيذ الخطط الاستراتيجية، حيث يمثل الاقتصاد دينامو الدول ومحركها الأساسي، وهو ما يحصد عوائده مواطنو المملكة العربية السعودية بشكل مباشر أيضاً، ولكن للموضوعية فإن هذا القطاع الرئيس ينتج بقدر ما يحصل عليه من مخرجات إيجابية للقطاعات التنموية المختلفة، بمعنى أن جذب الاستثمارات الأجنبية على سبيل المثال يتحقق بشكل أفضل في حال نجاح تطوير النظم الإدارية والتقنية والبنى التحتية وتسهيل الإجراءات وتعزيز البيئة الجاذبة لرجال الأعمال بكافة شرائحهم وتخصصاتهم، وكذلك الحال حينما تتطور البنى التحتية ذات الصلة بالقطاع السياحي وتتطور وكذلك الإجراءات وغيرها من الأمور ذات الصلة يتعاظم عائد هذا القطاع الحيوي، وهذا ما يحدث في القطاعات كافة، وقد أعجبني وصف أحد المراقبين بأن المملكة تحولت إلى «ورشة كبرى للمشروعات»، وهو ما يعكس باختصار كثافة الأنشطة التنموية وانتشارها قطاعياً وجغرافياً في ربوع المملكة. التفكير الاستراتيجي والسياسة الخارجية النشطة التي انتهجتها المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة جعلت منها محوراً أو ممراً لوجستياً دولياً مهماً على صعيد حركة التجارة والنقل والشحن والطاقة البديلة والتكنولوجيا، وكل ذلك يصب في صلة خطط التصنيع المحلي، ويضاف إلى مكانتها التقليدية كمصدر رئيس للنفط وأحد أبرز المسؤولين عن أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية. المؤكد أن أكثر ما يلفت انتباهي كمراقب في استراتيجيات النهضة السعودية أنها تتسم بعاملين أساسيين هما التنوع والتكامل، فهناك قاعدة خططية تتوع لتشمل تشمل القطاعات التنموية كافة، وجميعها حجزت لها موقعاً رئيسياً ضمن رؤية 2030، فالرياضة والثقافة والفنون تمضي وتتطور وتزدهر جنباً إلى جنب مع الصناعة والطب وطاقات البديلة والهيدروجين الأخضر والتجارة والسياحة. أما الثانية فهي التكامل حيث تتضافر مجمل هذه الأنشطة القطاعية لترسم صورة طموحة للغاية تؤهل المملكة العربية السعودية كي تستضيف العديد من الأنشطة والفعاليات الدولية بالغة التأثير في غضون السنوات القلائل المقبلة، وصولاً إلى «إكسبو 2030»، الذي سيكون أيقونة النجاح وتتويجاً لمجمل عمل وإنجازات ونجاحات المملكة العربية السعودية خلال العقد الجاري. ثمة نقطة أخرى غاية في الأهمية وهي أن المملكة العربية السعودية قد تجاوزت بكفاءة خططية يشهد لها كل العقبات التي أحاطت ببدايات مرحلة الانطلاق، ولاسيما في مجال الرياضة وجذب أشهر نجوم لعبة كرة القدم على سبيل المثال للعب في الأندية السعودية، حيث نجحت التجربة وتحولت إلى واقع لم تعد معه أسئلة الاستغراب أو التشكك مطروحة من الأساس، في ظل تيقن الجميع عالمياً من امتلاك المملكة مؤهلات نجاح قادرة على الاستمرارية بل وجذب المزيد والمزيد من ذوي المهارات الاستثنائية في الرياضة أو غيرها. المبهر أيضاً أن القيادة السعودية قد فطنت مبكراً إلى أهمية توفير وترسيخ المقومات المطلوبة لتحقيق النجاحات والإنجازات، وهنا لا يمكن رؤية المشهد التنموي السعودي بأكمله من دون فهم سياقات وتحركات السياسة الخارجية السعودية التي نشطت إقليمياً ودولياً من أجل بناء التوافقات وبناء الجسور وتبريد الأزمات ليس فقط على الصعيد الإقليمي، بل أيضاً على الصعيد الدولي حيث بذلت المملكة الكثير من الجهد سعياً لتهدئة التوترات الدولية كما حدث في أزمة أوكرانيا على سبيل المثال.