سليمان بن صالح الخزيم -رحمه الله- من أعلام منطقة القصيم ومن رجال القضاء الذين قضوا شطراً فيه وعرفوا بالنزاهة والعدل في أقضيتهم، ولم يعرف عنهم جوراً ولا مظلمة لأحد، بل كان قاضياً من قضاة العدل، وتولى القضاء في عدد من بلدان المملكة، أدرك حلقات العلم والدرس في المساجد وقبلها الكتاتيب، ولم يكن ثمة مدارس نظامية أو كليات أو وسائل تنقل لسبيل العلم في ذلك الوقت، كان كل طالب أو تلميذ معه محبرته ومداده ينسخ القرآن الكريم في لوح أو يكتب له في الألواح إذا كان لتوّه يتعلم الحروف الأبجدية، وكذا القرآن الكريم يكتب في الألواح بغرض الحفظ المقرر، ثم تأتي مرحلة طلب العلم، فالشيخ يدرس تلاميذه المتون العلمية في الفقه إذا كانوا مبتدئين يعلمهم آداب المشي إلى الصلاة ومختصرات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وفي العقيدة الأصول الثلاثة، وفي النحو الأجرومية، ثم ينتقل بهم إلى كتب أخرى إذا قطعوا هذه المرحلة الأولى من مقدمات العلم إلى العمق في داخله قليلاً، ثم تأتي مرحلة المتون كأكثر تفصيلاً من سابقتها مثل النحو (قطر الندى) لابن هشام أو (ملحة الإعراب) للحريري، وفي الفقه (زاد المستقنع) للحجاوي، وفي العقيدة كتاب (التوحيد) للشيخ محمد بن عبدالوهاب و(العقيدة الواسطية) لابن تيمية، وهذه المتون ليست متيسرة لكل الطلاب، بل إن طالب العلم ينسخ هذه المتون حتى يدرسها على الشيخ ويحفظها ويراجع حفظه منها مع زملائه. وعندما بدأت المملكة منذ وقت مبكر بطباعة الكتب الدينية، خاصةً بمطبعة المنار لصاحبها العلامة رشيد رضا في مصر، بدأ الكتاب الديني يسهل تداوله بين طلبة العلم، حيث إن توزيعه مجاناً، وبهذا كانت تلك الطباعة فتحاً للعلم والعلماء وطلابه في نجد خصوصاً. أعود إلى سليمان بن صالح الخزيم -رحمه الله- الذي رحل من أجل العلم إلى الرياض وقبلها بريدةوالرس، وحصل على الشيء المبارك من التعلم والمعرفة، وقد ألّف الباحث محمد بن صالح الخزيم كتاباً عن جدّه وفيه أخذت هذه المعلومات، والشكر موصول له على تزويدي ببعض الصور والوثائق. ميلاد ونشأة وُلد الشيخ الفقيه الفلكي سليمان بن صالح الخزيم 1325ه بعنيزة، وقد توفي أبوه وهو طفل صغير جداً، فعاش يتيماً، لكن والدته عوضته عن هذا اليتم كما هو حال الكثيرين من النوابغ في القديم والحديث، والذين فقدوا آباءهم لكن أمهاتهم كن وراء هذا النبوغ، فالشافعي الإمام لم يرَ والده، فقد وُلد وتوفي وهو رضيع، فقامت على تربيته هذه الأم العظيمة التي لا نعرف عنها شيئاً مذكوراً إلاّ أنها من قبيلة الأزد، فرحلت به إلى مكةالمكرمة، وهنا بدأ نجم الشافعي يسطع ويضيء بعد مراحل عدة، حيث كان طلب الشعر واللغة عند قبيلة هذيل، والنماذج كثيرة لهؤلاء النوابغ الذين فقدوا آباءهم. وترجم لسليمان الخزيم المؤرخ عبدالله البسام في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون) -في المجلد الثاني-، وترجم له محمد بن عثمان القاضي في كتابه (روضة الناظرين) -الجزء الأول- في طبعته الثالثة، وترجم له في (موسوعة أسبار)، وكذلك في الكتب التي اعتنت بتاريخ علماء البكيرية منها كتاب الباحث -ابن عمه- صالح بن عطا الله الخزيم، فهو شخصية ليست مغمورة، كانت حاضرة في المشهد العلمي، مع أنه اعتزل القضاء مبكراً تقريباً، وهو ذو أهلية للقضاء، لذلك عُيّن في أكثر من مدينة، وهو طالب علم متمكن من الفقه الحنبلي، لهذا عندما نشأ وأدرك بدأ مشواره العلمي بالدراسة المتواصلة على العلماء الذين في بلدته البكيرية، وقد سرد البسام والقاضي في كتابيهما، وكذلك الباحث -حفيد شخصيتنا- محمد الخزيم في كتابه عن جده مشايخه الذي أضاف رسائله ومقولاته الأدبية والفقهية التي كان سليمان الخزيم يدونها أثناء القراءة وكذلك تفصيلاً لسيرته. على يد قضاة وأوضح الباحث محمد الخزيم في كتابه عن جده سليمان الخزيم أنه بدأ في طلب العلم وعمره ثمانية أعوام، وهو يقصد أنه دخل الكتاتيب؛ لأن الخطوة الأولى لعالم العلم هو إجادة الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم، لهذا كان شخصيتنا قد أتقن الكتابة والقراءة وحفظ القرآن في بلدته البكيرية، حيث كان القضاة فيها، فدرس على العالم المشهور عبدالله بن سليمان بن بليهد حينما كان قاضياً للبكيرية، ثم على أخيه الشيخ حمد بن بليهد وهو قاضي البكيرية، وعلى الشيخ محمد بن مقبل، العالم الزاهد الورع وهو قاضي البكيرية، ودرس على الشيخ محمد بن عثمان الشاوي وعلى الشيخ عبدالله بن محمد بن سليم، وهذا الأخير قرأ عليه حينما كان قاضياً في بلدة شخصيتنا كما ذكر البسام في كتابه (علماء نجد)، أما الباحث محمد الخزيم فيرى أن شخصيتنا رحل إليه في بريدة. صحبة مثمرة ولم يكن سليمان الخزيم -رحمه الله- ليكتفي بما درسه على علماء البكيرية بل كانت نفسه تواقة وطموحة إلى التزود من العلم، فرحل إلى الرس عام 1350ه -كما يذكر محمد الخزيم في كتابه عن جده- ليدرس على الشيخ محمد بن عبدالعزيز الرشيد قاضي الخرمة فيما بعد. ويمّم سليمان الخزيم إلى منارة العلم الشيخ عبدالرحمن بن سعدي مع مجموعة من طلبة العلم من أهالي البكيرية ذكرهم البسام هم عبدالرحمن المقوشي ومحمد الخزيم -أخوه- وعبدالله الخضيري، وكانت صحبة مثمرة ومباركة، حيث استقر بهم المكان في عنيزة ملازمين لهذا العلامة الذي يُعد استثناء في المدرسة النجدية القديمة، فلازمه سليمان الخزيم عدة سنوات واستقى من ابن سعدي العلوم في التفسير والحديث والتوحيد والنحو، وقبل عنيزة رحل إلى بريدة وقرأ على الشيخ عمر بن سليم. إلى الرياض وطالب العلم الحقيقي لا يشبع من العلم، وكما قيل: اثنان لا يشبعان؛ طالب علم وطالب مال، وسليمان الخزيم -رحمه الله- من طلبة العلم الذين يبحثون عن منهل ومصدر للعلم حتى ينهلون منه، وهنا سافر إلى الرياض، ففيها مدرسة آل الشيخ وعميدها المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم، فسكن العاصمة، ولعل ذلك في السكن المخصص لطلبة العلم الذين يدرسون على المفتي، الذين يأتون من خارج مدينة الرياض، وهذا السكن يعد تاريخاً لوحده وقصة أخرى من تاريخ مدينة الرياض القديمة، ومأوى لكثيرين من العلماء وطلبة العلم، وقد ذكر طرفاً من هذا التاريخ المؤرخ حمد الجاسر حينما كان يطلب العلم في الرياض على المفتي عام 1341ه وما بعدها، وحدثني الشيخ الفقيه الأديب القاضي عبدالرحمن بن شعيل عن سكنه في بيت طلاب العلم عندما جاء من الدلم في حدود عام 1367ه، وتحدث عنه كذلك الباحث الشيخ إسماعيل العتيق في رسالته عن المفتي (تاريخ من لا ينساه التاريخ)؛ لأنه سكن في هذا البيت. توحيد ونحو قرأ سليمان الخزيم على المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم، ويذكر الباحث محمد الخزيم أن جدّه لما كان بارزاً في الفقه والتوحيد والحديث والنحو جعله من المخصصين لديه، وقد أحب علم الفرائض وقد درسه على علماء القصيم من قبل وأعاد دراسته على الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، وبهذا أصبح سليمان الخزيم من طلبة العلم الكبار في عصره، متبحراً في الفقه الحنبلي، ومن الذين له دقة في روايات المذهب، وهو لا يفتي إلاّ بالمذهب مرجحاً بين رواياته، ولعلنا نذكر بعض الأمثلة وهو أنه سئل عن حكم قضاء رمضان في أيام عشر ذي الحجة فأجاب قائلاً: "أما صيام يوم عرفة أو غيره من عشر ذي الحجة عن قضاء رمضان يجزي ويكفي عن الصائم المذكور بلا إشكال في صحته، وليس في صحته خلاف، وإنما الخلاف كراهته أو عدم استحبابه"، ثم قال: "واختلفت الرواية في كراهية القضاء في عشر ذي الحجة، فروى أنه لا يكره وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي وإسحاق لما روى عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر؛ لأنها أيام عبادة، فلم يكره القضاء فيها كشهر محرم"، إلى آخر ما نقله. علم الفلك وسليمان الخزيم -رحمه الله- من الذين اعتنوا بعلم الفلك، لذا أورد ابنه الباحث صالح الخزيم مختاراته في الفلك في كتاب عبارة عن "كشكول" لوالده، وذكر جملة منها الباحث محمد بن صالح الخزيم في كتاب عن جدّه، سواء مسائله الفقهية أو مختاراته الشعرية أو انتقاءاته النثرية التي كان يدوّن منها وأصبحت كتاب ونشره ابنه صالح، ولقد أخذ علم الفلك عن الشيخ الفلكي عبدالله بن صالح الخليفي، وقد عقد الباحث محمد الخزيم فصلاً من كتابه بعنوان "علم الكواكب"، ولأن الحاجة إلى علم الفلك في نجد كانت مهمة منها كرؤية أهلة رمضان وعشر ذي الحجة وهلال العيد ومعرفة مواسم الزراعة ودخول الفصول. قوياً صارماً وتولى سليمان الخزيم -رحمه الله- القضاء عام 1361ه بأمر ملكي من الملك المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فعُيّن قاضياً بمحكمة نجران حتى عام 1364ه، وكان قوياً حازماً صارماً في إحقاق الحق وكشف المبطل من الخصوم، وكانت وصايا مشايخه حاضرة لديه حينما تولى القضاء، ومنها وصية الشيخ ابن سعدي حيث قال له: "أرجو من الله تعالى أن يعينكم بتوفيقه ويمن عليك بالإخلاص الكامل وإرادة وجهه الكريم في كل حركاتك الدقيقة والجليلة، وأن يجعل الخير فيما اختاره الله لك"، وفي عام 1364ه نقل شخصيتنا إلى قضاء عروى بناء على طلبه ومكث قاضياً فيها حتى عام 1373ه، ثم نقل قاضياً إلى محكمة سدير ومكث حتى عام 1378ه، ثم طلب الإعفاء من القضاء. تفرغ للتدريس ومنذ عام 1378ه تفرغ سليمان الخزيم -رحمه الله- لنشر العلم في بلدته البكيرية، يدرس ويعلم ويفتي ويرشد ويعط في جامع البكيرية وفي المكتبة الخيرية، باذلاً جل جهده ووقته في سبيل نشر العلم والدعوة إلى الله، تاركاً الدنيا وراء ظهره، تاركاً زينة الدنيا وزخرفها لأهلها فهو من الزهّاد، فضلاً أن كتابه كان أنيسه في خلوته، في مكتبته، ونرى هذا جليلاً في اختياراته من الكتب الي كان يقرأها. وكان للخزيم تلاميذ قد أخذوا عنه في نجران وسدير والبكيرية، ونقتصر على بعض تلاميذه الذين أخذوا عنه في البكيرية، حيث إنه مكث فيها بقية حياته من حين تقاعده حتى توفي وهم الدكتور صالح بن ناصر الخزيم -عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم –رحمه الله-، سليمان بن صالح المحمود -عضو هيئة التمييز بمكةالمكرمة-، الدكتور عبدالله بن حمد اللحيدان -عميد كلية الشريعة بجامعة القصيم-، الدكتور صالح بن سليمان اليوسف -عضو هيئة التدريس ورئيس قسم أصول الفقه بجامعة القصيم-، ابنه عبدالله بن سليمان الخزيم -موظف في وزارة المعارف سابقاً-، وغيرهم الكثير الذين سردهم الكاتب والباحث محمد بن صالح الخزيم في كتابه عن حياة جدّه سليمان الخزيم. تاريخ وفاته وتوفي سليمان الخزيم -رحمه الله- بعدما أرهقته الأمراض في صبيحة يوم الأربعاء 24 شعبان 1407ه، وصلي عليه في الجامع الكبير في البكيرية، وقد خلف عدة أبناء منهم الشيخ صالح بن سليمان الخزيم أول من افتتح المعهد العلمي بالبكيرية، واستمر في إدارته 13 عاماً، وخلفه في الإدارة ابنه محمد بن صالح الخزيم ومكث فيها 17 عاماً وتقاعد عام 1434ه، والشكر له موصول على تزويدي ببعض الصور والوثائق عن شخصيتنا، ومن أبناء سليمان الخزيم أحمد وهو شاعر وأديب، ود. محمد أستاذ بجامعة القصيم، وعبدالله، وإبراهيم، الجدير بالذكر أن الشيخ صالح بن سليمان الخزيم -ابن شخصيتنا- قد أصدر كتاباً عنوانه (تحفة الأحباب من الوصايا والحكم والآداب) وهي نقولات والده الشيخ سليمان -رحمه الله- وطبع الكتاب 1416ه. محمد بن صالح الخزيم ألّف كتاباً عن جدّه سليمان الخزيم برقية من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى سليمان الخزيم -رحمه الله- كتاب حياة سليمان الخزيم من تأليف حفيده محمد بن صالح الخزيم سليمان الخزيم درس على علماء وقضاة البكيرية