الذهب يتعافى في المعاملات الفورية 0.3 بالمئة    الخارجية الفلسطينية ترحب بمخرجات القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية في القاهرة    «سلمان للإغاثة» ينفذ 642 مشروعًا لدعم القطاع الصحي في 53 دولة    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    دوري عنيد    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    هل حان الوقت لالغاء الموافقات التأمينية؟    لك حق تزعل    اتفاقات مع "قسد" في طريق التعافي بخطوات ثابتة.. سد تشرين والنفط تحت إدارة الدولة السورية    في أسبوع الصحة العالمي.. الأمومة والطفولة تحت الحصار والإبادة.. 90 % من الحوامل والمرضعات بالقطاع يعانين سوء تغذية حاد    موجز    الهلال.. مجد تحول لأطلال    خسارة النصر.. تغربل الهلال قبل النخبة الآسيوية    في ظهوره الثاني هذا الموسم.. جماهير الاتحاد تشيد بمستوى الأسباني هيرنانديز في ديربي الغربية    "يلو 28".. قمة الوصافة وديربي حائل في أبرز مواجهات الجولة    موهبة عالمية جديدة على رادار الهلال    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في ختام التعاملات    الأميرة هيفاء آل سعود: الفعاليات الرياضية استقطبت 14 مليون سائح    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    موجة تفشى الحصبة الحمراء في أمريكا    ماذا بعد العيد؟    "أكيارولي».. قرية إيطالية يشيخ سكانها دون أمراض    وزير الدفاع يبحث مع نظيره الأميركي تطورات الأوضاع الإقليمية    الأراجيف ملاقيح الفتن    100 ألف ريال غرامة تأخر الإبلاغ عن الحاج أو المعتمر المنتهية مدة إقامته    رجال الأمن صناع الأمان    طيران الرياض وأسعار التذاكر    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    الموظف واختبار القدرات    بين التقاليد والابتكار.. أين شريكة الحياة؟    6% نموا سنويا في سوق الصدامات بالمملكة    25% انخفاضا بمخالفات هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    أخضر الناشئين يعاود تدريباته بعد التأهل لكأس العالم    يوم الصحة العالمي.. المملكة تعزز الوعي    أكثر من 8000 مستفيد من خدمات " إرادة" في رمضان    حضور لافت لثقافات متعددة بمعرض ليالي في محبة خالد الفيصل    فيصل بن بندر يستقبل محافظ الدرعية وأمين الرياض    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «طويق»    قادة مصر والأردن وفرنسا يدعون إلى عودة فورية لوقف إطلاق النار في غزة    الرئيس اللبناني لوفد أمريكي : نزع سلاح حزب الله بالحوار    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    أمانة جمعية الكشافة تقيم حفل معايدة لمنسوبيها    السعودية تتأهل لكأس العالم لكرة القدم تحت 17 عاما للمرة الرابعة في تاريخها    "أمالا" تُثري بينالي الفنون الإسلامية بجلسات حوارية وورش عمل مبتكرة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    هجوم دموي جديد يعمق معاناة المدنيين في السودان    «أبوظبي» يطلق مؤشراً لقياس «قوّة ارتباط المجتمع باللغة العربية»    سمو أمير المنطقة الشرقية يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليم النقد
نشر في الرياض يوم 23 - 12 - 2023

رغم تسلل اليأس أحياناً وفقدي الحماس من إمكانية تعليم النقد، إلا أنني لم أيأس تماماً، لذلك توصلت إلى قناعة آخر فصلين دراسيين أنه لا يمكن تعليم النقد "نظرياً" أي أنه يستحيل أن تصنع ناقداً من خلال تعليمه أدوات النقد فقط، بل هو تعليم تجريبي بحت..
سوف أتحدث عن تجربة تعليم النقد المعماري خلال الثلاثة عقود الأخيرة، فأنا لا أستطيع أن أدّعي أن هذه التجربة كانت ناجحة بالقدر الذي كنت أتمناه. كنت أسأل نفسي باستمرار ما هو الشيء المفقود الذي يجعل من تعليم النقد مسألة غير مجدية؟ وهل النقد يمكن أن يُعلّم أم أنه يولد لدى الإنسان بالفطرة ويتطلب مهارات لم أستطع اكتشافها حتى الآن؟ ما يدعوني لإثارة التساؤل حول هذا الموضوع هو أن هناك من يخلط بين الكتابة حول العمارة وبين النقد، بينما المعروف أن الناقد يجب أن يكون لديه منهج وموقف وليس مجرد كاتب. المنهج يتمثل في الأدوات الفكرية التي يوظفها لتفكيك الظواهر التي تواجهه ولكل ظاهرة منهجها الذي يناسبها، أما الموقف، وهذه المسألة الأصعب، أن يتجرد الناقد من المصالح الخاصة والمواقف الشخصية ويطرح آراءه بصراحة دون انحياز. سألت نفسي هل بالإمكان أن يتعلم أي إنسان أن يكون متجرداً وغير منحاز؟ وهل نستطيع أن نجعل منه صاحب موقف واضح تجاه القضايا التي يتقاطع معها؟
عندما أفكر في كل هذه الشروط التي يتطلبها إعداد الناقد، أشعر ببعض اليأس من فكرة "تعليم النقد" وأراها غير ممكنة. أذكر أن الصديق الدكتور حازم النجيدي، من العراق، ذكر لي أهمية "نقد النقد" وكتب مقالاً حول هذا الموضوع، وقال إنه لا يمكن الوثوق بالنقد دون وجود نقد للنقد. حسب ما يراه الصديق النقد يتعرض بشكل دائم إلى انحياز الناقد وتغليب مواقفه الشخصية على الموضوع. النقد المعماري على وجه الخصوص يتقاطع مع مصالح اقتصادية واسعة مرتبطة بمصمم ومالك المشروع، وفي اعتقادي إنه قريب من النقد السينمائي حتى في تعدد الجوانب النقدية الجمالية والتقنية ومنهج كتابة السيناريو والتصوير وغيرها، وفي العمارة يبدو المبنى عملًا فنيًا خالصًا، ويزيد بأنه مصنوع كي يعيش فيه أو يعمل في الإنسان.
رغم تسلل اليأس أحياناً وفقدي الحماس من إمكانية تعليم النقد، إلا أنني لم أيأس تماماً، لذلك توصلت إلى قناعة آخر فصلين دراسيين أنه لا يمكن تعليم النقد "نظرياً" أي أنه يستحيل أن تصنع ناقداً من خلال تعليمه أدوات النقد فقط، بل هو تعليم تجريبي بحت. قررت مع زميلي في المادة المعماري مشاري البقمي أن نحول مادة النقد إلى منهج دراسي يعتمد على أن يقوم الطلاب في نهاية كل فصل دراسي بعمل مناظرات نقدية تدور حول القضايا العمرانية المعاصرة. ولكن كيف ننقل مهارة الجدل النقدي المنهجي إلى الطلاب؟ وجدنا أن المسألة تحتاج إلى تأنٍ وصبر، فالتعليم من خلال التدريب يحتاج إلى دمج المهارة النظرية والفكرية مع الممارسة العملية، وبالتالي قررنا أن نحول المحاضرات الأسبوعية إلى ورش عمل وتم توزيع الطلاب إلى مجموعات في كل مجموعة أربعة طلاب واختارت كل مجموعة قضية عمرانية معاصرة.
اعتمد الجزء الأول من ورش العمل على الإجابة على 6 أسئلة أساسية في أي تفكير منهجي بدءاً من تعريف القضية إلى تحديد أهم المنظرين والمعماريين الممارسين الذي تعاملوا معها سواء كانوا مؤيدين أو معارضين إلى استخلاص المناهج التي اتبعوها وأخيراً أهم المصادر التي تناولت القضية. هذه الورش تهدف إلى خلق مهارة التأني والصبر ومهارة البحث الاستقصائي، لكنها لم تصل بعد إلى بناء مهارة النقد. الجزء الثاني من الورش هدف إلى التعلم من الجدل بين المنظرين والممارسين وطُلب من كل مجموعة أن تضع خمسة مبادئ أساسية تمثل أهم أركان القضية، وبعد ذلك قام الطلاب بنقل هذه المبادئ إلى مستوى أعلى من خلال تحول هذ المبادئ إلى إطار نظري من خلال العودة إلى المنظرين والممارسين لدعم هذه المبادئ والنموذج الفكري الذي طورته كل مجموعة. المنهج اعتمد على تفكيك الظاهرة Dismantling في الورش الأولى وتركيب الظاهرة مرة أخرى حسب فهم كل مجموعة Mantling في الجزء الثاني من الورش، بحيث يقوم الطلاب في كل مرحلة بالاستعانة بحالات دراسية لتبرير الأفكار والمبادئ والنموذج الفكري الذي اتبعوه.
خلاصة هذه العملية النقدية التجريبية التي امتدت على مدى 15 أسبوعاً هي المناظرة النقدية بين المجموعات الطلابية، وهنا الطالب يمر بتجربتين فمرة يكون مدافعاً عن قضية المجموعة التي هو عضو فيها، ومرة أخرى هو عضو في فريق الضد الذي يجب أن يعمل على هدم الرأي الذي تتبناه إحدى المجموعات التي سيناظرها. مجموعات الضد التي تناظر المجموعات الأساسية كل منها مكون من أعضاء مختلفين تم تشكيلهم من كافة المجموعات الأساسية. بالطبع فكرة المناظرة ليست جديدة لكن فترة الإعداد لبناء المحتوي النقدي والجدلي للمناظرة التي تمتد طوال الفصل الدراسي عبر ورش عمل أسبوعية يقدم فيها جميع الطلاب عروضاً نقدية كان تجربة فريدة وممتعة. يجب أن أنوه كذلك أن الطلاب يقومون بكتابة مقالتين خلال الفصل الدراسي، الأولى في منتصف الفصل وهي عبارة عن واجب منزلي والثانية بعد المناظرة بيوم أو يومين في قاعة المحاضرات ويتبع فيها الطلاب أسلوب "الكتابة العفوية" يقدمون فيها تجربتهم الشخصية طوال الفصل. هنا يتم اكتشاف الفروق الفردية بين الطلاب وتحديد أولئك الذي يتمتعون بمهارة نقدية أكثر من غيرهم. ومع ذلك فلن أدعي أن هذه التجربة تكفي لتعليم النقد، فالمسألة كما أراها تتطلب تدريباً مستمراً وثقافة موسوعية بالمناهج الفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.