أبهرت في جمالياتها، وأَعجزت في عديد من جوانبِها؛ فيها منِ الجمال والإبداعِ ما جعلها بحر البيان والبلاغة التي وسعت كتاب الله عزَّ وجلَّ لفظًا وغاية. إنها اللغة العربية، لغة الدينِ ولسان القرآن الكريمِ، وبها نزل الروح الأمين، وهي هوية وتعبير حضاري أصيل لا مجرد لغة، لذلك بذلت المملكة من أجلها جهودًا ضخمة، يترجمها قول خادمِ الحرمينِ الشريفينِ الملك سلمان بن عبدالعزيزِ آل سعود - حفظه الله -: «بلادنا المملكة العربية السعودية دولة عربية أصيلة، جعلت اللغة العربية أساسًا لأنظمتها جميعًا، وهي تؤسس تعليمها على هذه اللغة الشريفة، وتدعم حضورها في المجالات المختلفة، وقد أسست الكليات، والأقسام، والمعاهد، وكراسي البحث في داخلِ المملكة العربية وخارجها؛ لدعمِ اللغة العربية وتعليمها». ونظراً لأهمية اللغة العربية الكبيرة؛ يحث الملك سلمان - حفظه الله - المواطنين والمواطنات على تعلمها، حيث يقول -أيده الله-: «يجب على المواطنِ، وخاصة الشباب والشابات، أن ينهلوا من لغتهِم العربية؛ ليتمكنوا من خدمة دينهم ووطنهم أكمل الخدمة، وعليهم أن يحذروا من الشوائب والمفردات التي لا تتفق مع اللغة العربية، أو تؤثر سلبًا، فلغتنا العربية ذات معجم ثري، ومفردات خلاقة جميلة، تستطيع التعبير بوضوحٍ عن مكنونات النفسِ بمختلف الصورِ، وتحوي كوامن الإبداعِ، وهي سهلة لكلِ من تمكن منها، ثرية غاية الثراء في الكلمات والمعاني والمفردات». وللإسهام في تعزيز دور اللغة العربية إقليميًّا وعالميًّا، وإبراز قيمتها المعبّرة عن العُمق اللغوي للثقافة العربية والإسلامية؛ تم تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية؛ ليكون مرجعيّةً علميةًّ على المستوى الوطني في اللغة العربية وعلومها، وليسهم إسهامًا مباشرًا في تحقيق أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد أهمِّ برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، ويرتبط بالمجمع تنظيميًّا مركز الملك عبد الله بن عبدالعزيز للتخطيط والسياسات اللغوية. ويعمل المجمع على تعزيز مكانة اللغة العربية بين اللغات المهيمنة عالميًّا من خلال بناء السياسات اللغوية وتطبيقها، والعمل على سدِّ الفجوات المعرفية؛ لتمكين حضور العربية في كلّ ما يتطلبه العالم اليوم، إضافةً إلى تعزيز مكانتها في نفوس أبنائها، بتقديمها بوصفها لغة حية، تمثِّل جزءًا مهمًا من كياننا، وهويتنا، وثقافتنا، وحاضرنا، ومستقبلنا، وكذلك تعزيز المتن والاكتساب اللغوي بما يسهم في استمرار حيوية اللغة وثباتها. وانطلاقًا من رسالة «مجمع الملك سلمان العالمي»؛ الهادفة إلى العناية باللغة العربية والاعتزاز بها، وتمكينها من الإسهام الحضاري، والعلمي، والثقافي؛ لتكون المملكة رائدةً في مجالات اللغة العربية وتطبيقاتها، أطلق المجمع مبادرات عديدة منها: جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وهي جائزة لغويّة عالميّة سنويّة، للاحتفاء بجهود الأفراد والمؤسسات في خدمة اللغة العربية، وتكريمهم في مجالات الجائزة الأربعة: فرع تعليم اللغة العربية وتعلُّمها، وفرع حوسبة اللغة العربية وخدمتها بالتقنيات الحديثة، وفرع أبحاث اللغة العربية ودراساتها العلمية، وفرع نشر الوعي اللغوي وإبداع مبادرات مجتمعية لغوية. ومن المبادرات كذلك: معجم اللغة العربية المعاصرة (معجم الرياض)، الذي يتميز باستناده إلى معايير الصناعة المعجمية الحديثة التي تُسهِّل الوصول إلى المعنى، ويحتوي على أكثر من (450) مليون كلمة، من ضمنها: نحو (120) ألف مدخلٍ معجمي، و(140) ألف معنى، و(150) ألف مثال، وتجاوزت مترادفاته ومتضاداته (35) ألفًا. وتتيح مبادرة المستشار اللغوي، لمستخدمي الموقع، طرح أسئلتهم واستشاراتهم اللغوية؛ ليجيب عنها مستشارون لغويون متخصصون، مع عرض الأسئلة والإجابات على الموقع؛ للإفادة، إضافة إلى مبادرة خوالد وهي منصة صوتية تستهدف تسجيل 1000 قصيدة مختارة من عصر ما قبل الإسلام؛ انسجامًا مع عام الشعر العربي الذي حددته وزارة الثقافة هذا العام 2023. ولأهمية مراعاة الاحتياجات الخاصة لفئتي الصم وضعاف السمع، أطلق المجمع مسار اللغة العربية عبر تنفيذ العديد من الدورات والبرامج تلبي حاجاتهم اللغوية، بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة، كما أطلق برنامج الانغماس اللغوي الذي شارك فيه أكثر من 100 متعلم ينتمون لأكثر من 34 دولة. ولمتعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ أطلق المجمع قناة تعليمية (العربية للعالم)، تقدم محتوى عربيًّا تعليميًّا سهلًا وفاعلًا في مسارات مختلفة، ولتحفيز الابتكار في اللغة، أطلق مبادرة مجتمع الابتكار التي ينفذها (معمل الابتكار في اللغة العربية) في مقر المجمع بالرياض، بهدف بناء بيئة ملائمة لنمو الأفكار في مجال الابتكار، وجمع المختصين والمهتمين والخبراء الناجحين في مجالات: التعليم، والتقنية، والتصميم، والابتكار في اللغة؛ لمشاركة الخبرات، وبناء العلاقات؛ عبر نقاشاتٍ إثرائية. وتأتي مبادرة علماء العربية؛ للتعريف بالعلماء السعوديين المتخصصين في اللغة العربية وعلومها، وإلقاء الضوء على سيرهم العلمية، ومؤلفاتهم، ومكتباتهم الغنية بالعلم والمعرفة، إضافة إلى مبادرة مؤشر اللغة العربية وهو إنجاز مؤشر دولي للغة العربية، يتضمن (8) نطاقات رئيسة، و(70) مؤشرًا فرعيًّا، مع إصدار تقرير حالة اللغة العربية شاملًا عينة تتضمن (12) دولة من قارات مختلفة. ويعمل المجمع محليًّا ودوليًّا على مجموعةٍ من الأنشطة والأعمال ذات المدى القصير والطويل؛ بصفته (مرجعيةً علميةً) في اللغة العربية، والتي تقام بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة، وتتنوع الأنشطة بين: التعليم والتدريب، والجوائز والمسابقات، والمؤتمرات، والندوات، وحلقات النقاش، والمحاضرات، والبحوث والدراسات، والتقارير والمؤشرات، والسياسات والمعايير، وتأهيل الإداريين لغويًّا، وتأهيل الباحثين علميًّا، وتفعيل اليوم العالمي للغة العربية عالميًّا، ودعم اللغة العربية في المنظّمات، ودعم قطاع حوسبة اللغة العربية، وإنشاء المعاجم ثنائية اللغة، ومعارض اللغة العربية، إضافة إلى العناية بفنون اللغة العربية، وزيادة نسبة المحتوى باللغة العربية ونشرها. ولإيمان المجمع بأهمية الدور الكبير للذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية في العصر الحاضر، أطلق عبر موقعه الرسمي العديد من البرامج منها: برنامج العربية (هاكثون)، ومسار (بناء المعاجم الرقمية)، ومشروع (نمذجة)؛ لتأهيل الكفاءات في هذا المجال، كما أنشأ مركز (ذكاء العربية)، إضافة إلى العمل على منصة المصطلحات العربية الموحدة، وبناء مجموعة من المنصات الخادمة للعربية، والأدوات المستفيدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي. واضطلاعًا بمسؤولية «مجمع الملك سلمان العالمي» تجاه مستقبل اللغة العربية، خصّص مجموعة من الأنشطة عبر حساباته الرقمية؛ تستهدف تعزيز مكانة العربية في نفوس الأطفال، وتمكين الافتخار بها وبإتقانها، مثل إطلاق مسابقة تحدي الإلقاء للأطفال، وإقامة معرض اللغة للأطفال بمقر المجمع، وغيرهما من البرامج التي تهدف إلى تعزيز مكانة العربية لدى النشء من خلال بناء اتجاهات إيجابية عن اللغة العربية، تنطلق من قناعات راسخة بصلة العربية بالحياة، وحاجتنا إليها في حياتنا اليومية، وأثرها على كل مناحي الحياة، إضافة إلى التركيز على الجانب المهاري من اللغة، وإكسابه للنشء بمنهجية. يأتي ذلك إدراكًا من المجمع لحاجة النشء إلى أن تقدم لهم اللغة العربية تقديمًا حيًّا بروح العصر، بما يتناسب مع نمط الحياة الذي نعيشه. وهذه الجهود التي يبذلها مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، تأتي ترجمة لما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -: «لقد حفظ اللهُ اللغة العربية بحفظه للقرآن الكريم، لكنَّ محافظة كل منا على هذه اللغة إسهامٌ في الحفاظ على الهوية، وهو ما يجدر بنا جميعًا فعله، وفق الله الجميع لما فيه الخير».