يجيء اليوم العالميّ لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر من كل عام، وشعاره لهذا العام 2023م «الكرامة والحريّة والعدالة للجميع»، يتزامن هذا اليوم مع حروبٍ يشتدُّ سعيرها، وتزدادُ جذوتها، وتتوقّدُ نارها ساعةً بعد ساعة، فمنذُ اندلاعها في السابع من أكتوبر من عامنا هذا وجحيم الطائرات لا يتوقف عن قطاع غزّة الفلسطينيّ، والصواريخ والمدافع تنتهكُّ حقوق الأطفال، وحقوق كبار السن وذوي الإعاقة وحقوق المرأة، فالصحّة منعدمة والتعليم متوقف والأمن مفقود والحريّةُ منعدمة والعدالة مفقودة، فأين نحن من شعار هذا اليوم لحقوق الإنسان على أرض الواقع، أين هم من ينادونَ ويتشدقونَ بحقوق الإنسان، فهذه الحقوق لا تعرفُ للضعفاء طريقًا؛ ذلك أنّ ما حدث لقطاع غزّة الفلسطينيّ من هجومٍ كثيفٍ وعلى أناس يفتقدون أبسط حقوق العيش -فلا ماء ولا غذاء ولا كهرباء ولا صحة ولا دواء- والقانون الدوليّ في هذه الظروف مُحيّد؛ بل مُغيّب، فالمعادلة بين الطرفين غير عادلة تمامًا، وما يحدث لقطاع غزّة غير حضاريّ، ينمُّ عن فقد الإنسانيّة وضميرها، فالمشاهِد تُدمي القلوب وتُحزن النفوس، وما يُسمى بالعالم المُتحضر ينظر إلى ما يحدث بلا اكتراث؛ بل يحرّم ويجرّم الوقوف مع شعبٍ منزوع السلاح غير قادر على الدفاع عن نفسه، ولا حتّى بالكلمة. ولنصرةِ الشعبِ الفلسطينيّ والوقوفِ معه وإبراز حقوقه؛ دعت المملكة العربية السعودية إلى عقدِ قمم من أجل الشعب الفلسطينيّ ومن أجل حقوقه الإنسانية المُنتهكة لعل وعسى أن يتحرك الضمير العالميّ ليقف مع الحق والعدالة، فعقدت قمةٌ أفريقية وأخرى عربية إسلامية مشتركة غير عادية؛ وافتتحها نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان وليّ عهد المملكة رئيس مجلس وزرائها يوم السبت 11 نوفمبر 2023م، وقال: «إننا أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدوليّ في وضعِ حدٍ للانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والأعراف الدولية، والقانون الدوليّ الإنسانيّ، وتبرهن على ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيقها، وتُهدد الأمن والاستقرار العالميّ»، حينما نُمعن النظر بهذه الكلمة، أو بهذه الوثيقة التاريخية العالمية من عاصمة القرار العربيّ والإسلاميّ، نجد أنها تشير بكل وضوح وجلاء إلى أنّ العالم مُطالَب بأن يقف ضد العدوان وضد الانتهاكات، ويقف مع الحق والعدل ليستقيمَ الأمر ويستتب السلام؛ وأكد ذلك بيان القمة، حيث دعا إلى التمسك بالسلام كخيار استراتيجيّ، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحلِّ الصراع العربيّ الإسرائيليّ؛ وفق القانون الدوليّ وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الأمن، والتأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها (انتهى). وتأصيلاً لما تقدّم وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله -، بإطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية - الذي تأسس في العام 2015م بهدف إدارة وتنسيق العمل الإغاثي على المستوى الدولي بما يضمن تقديم الدعم للفئات المتضررة- الحملة الشعبية عبر منصة «ساهم» لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وبتوفيقٍ من الله وبرغبةٍ أكيدة من المملكة العربية السعودية حكومةً وشعبًا؛ بلغ مجموع تبرعات الحملة الشعبية لإغاثة أهل غزة إلى ما يقارب ال600 مليون ريال، وبدأت جسور الطيران لنقلِ المواد الأساسية الإغاثية، وكذا الأساطيل البحريّة في أيام الهدنة الإنسانية التي دعا لها المحبون للسلام. ومن أجلِ تحقيق حقوق الإنسان؛ كُوّنت لجنة وزارية مكلفة من القمة العربية - الإسلامية، زارت هذه اللجنة كُلاً من الصين والمملكة المتًحدة وجمهورية فرنسا وروسيا، وما زالت تسعى لتحقيق ما يجب أن يتحقق. ويتزامن عقد القمة الخليجية 44 في الدوحة بدولة قطر مع ما يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزّة، حيث صدر من هذا المجلس بيان حول حقوق الشعب الفلسطيني «مطالباً بالوقف الفوري لإطلاق النار والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وضمان توفير وصول كافة المساعدات الإنسانية والإغاثية والاحتياجات الأساسية، واستئناف عمل خطوط الكهرباء والمياه والسماح بدخول الوقود والغذاء والدواء لسكان غزة، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وطالب المجلس بإنهاء الحصار الإسرائيلي غير القانوني والمخالف لقرار مجلس الأمن رقم 2417، بتاريخ 24 مايو 2018م، الذي يدين المنع غير القانوني من إيصال المساعدات الإنسانية، ويدين استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال والمحظور بموجب القانون الدولي الإنساني». فها هم عقلاء العالم ينادون بإحقاق حقوق الإنسان؛ لتتحقق مبادئ حقوق الإنسان وشعاره لهذا العام «الكرامة والحرية والعدالة للجميع»؛ لذا يجب أن تكون العدالة للجميع، لا تقتصر على شعبٍ دون آخر، ولا تُعطى الحرية لشعب دون آخر، ولا تُحصر الكرامة لشعب دون شعب، وهذا ما يجب أن يكون؛ لتتحقق الكرامة والحرية والعدالة للجميع، والأمن والسُلم الدوليين؛ فهل يسمع العالم صيحات المستضعفين المنادين لتحقيق حقوق الإنسان. إنّ التهجير القسريّ للمدنيين من ديارهم انتهاكٌ لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، ومن المُضحِك المُبكي أنّ شعار اليوم العالميّ لحقوق الإنسان يتجافى مع الحقيقة والواقع، فواحقوقاه.