يلجأ نازحون في غزة يحتمون بفناء مدرسة في رفح إلى حلول يائسة مثل تخفيف حليب الأطفال المجفف في كمية كبيرة من الماء أو إطعام الأطفال وجبة واحدة يوميا بسبب عدم توافر ما يكفي الطعام. وقال مكتب الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية إن رفح الواقعة في جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر هي المنطقة الوحيدة في القطاع الفلسطيني بأكمله التي تلقت مساعدات محدودة خلال الأيام الأربعة الماضية. لكن لم يتوفر الطعام الكافي للجميع بعد. وقال الآباء إن أطفالهم يمرضون ويفقدون وزنهم. يجلس زكريا ريحان على حصيرة أمام خيمة عائلته في مخيم مؤقت للنازحين وهو يحمل طفله الصغير يزن وزجاجة رضاعة تحتوي على كمية صغيرة من السائل. وقال ريحان "هذا في الأساس ماء مع ملعقة من اللبن المجفف، ربما أقل من ملعقة، أي شيء تكون رائحته مثل الحليب فقط كي أتمكن من خداعه ليعتقد أنه حليب حتى يمكنه تناوله... لكنه ليس صحيا، ولا يمنحه أي تغذية". وأضاف ريحان أن جميع العائلات في المخيم تكافح يوميا من أجل العثور على الطعام ووسيلة لطهيه. ومضى قائلا إنه أكل بقوليات نيئة من علبة جاءت ضمن شحنة مساعدات بسبب عدم وجود وقود لإشعال النار. وأوضح "نعم، تأتي مساعدات لكنها ليست كافية على الإطلاق. لا تكفي جميع الأسر. يمكنك الحصول على علبة بقوليات أو علبة لحم لعشرة أشخاص. حتى إذا تناولها شخص واحد فقط، لن تشعره بالشبع". ومثّل نقص الغذاء مشكلة طيلة الحرب المستمرة منذ شهرين بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، لكنه تفاقم منذ انتهاء الهدنة التي استمرت أسبوعا في الأول من ديسمبر كانون الأول بسبب تراجع عدد شاحنات المساعدات التي تدخل من مصر وعرقلة القتال العنيف لتوزيعها بما في ذلك في جنوبغزة. وجبة واحدة يوميا وفي خيمة أخرى بالمخيم المقام بمدرسة في رفح، كان ثلاثة أطفال يأكلون الأرز من وعاء واحد. وقالت والدتهم يسرا الديب إنهم لن يتناولوا شيئا آخر بقية اليوم. وأضافت وقد بدا عليها الغضب والإرهاق "الأطفال ينامون جائعين ويستيقظون جائعين. أعددت لهم وجبة وهي الوجبة الوحيدة التي يتناولونها في اليوم، ولا يأكلون بقية اليوم". وتابعت "في المنزل، كنت أطعمهم وجبة مغذية، ولم يمرضوا قط. لكن هنا، هم دائما مرضى، وكل يوم يصابون ببرد في معدتهم". وفي جانب آخر من المخيم، قطع ناجي شلح بعض الطماطم والفلفل الأخضر وكان يستعد لطهيهما في مقلاة صغيرة. وقال أيضا إن هذه ستكون الوجبة الوحيدة لأطفاله خلال اليوم. وأضاف ناجي "إذا تمكنت من العثور على خبز لأطفالي، فسيكون أشبه بالحصول على رطل من الذهب"، قائلا إنهم يعانون من الجفاف بسبب نقص الطعام والماء وإن أحد أبنائه فقد الكثير من وزنه. ومضى قائلا "وإذا حصلت على الخبز، فلا أستطيع إعطاء طفلي سوى نصف رغيف، لأنه إذا تناول الرغيف كله، لن يأكل في اليوم التالي". رحلة ثلاثة نساء مع رضيع وبعد شهرين من اندلاع الحرب في قطاع غزة، صار أغلب سكانه مشردين وتكدسوا بسبب القصف الإسرائيلي العنيف في مناطق أصغر داخل القطاع الضيق أصلا حيث يعيش كبار السن وحديثو الولادة على حد سواء في خيام وسط الأنقاض. انتهى المطاف بثلاث نساء أُخرجن من منازلهن في قطاع غزة بعد 61 يوما من القتال إلى وضع شديد الصعوبة حيث يسعين حثيثا الآن للعثور عن ملاذ آمن بعد الفرار من مكان إلى آخر تحت وطأة الغارات الجوية ونيران المدفعية. وتسعى زينب خليل (57 عاما) إلى الانتقال لرابع مرة مع اجتياح الدبابات الإسرائيلية لمدينة خان يونس في الجنوب. وتعيش إسراء الجمالة (28 عاما) في خيمة لرعاية ابنتها الرضيعة التي وُلدت ليلة بدء هدنة استمرت أسبوعا. وتمر مي سالم بالحدود المصرية ويتملكها الخوف من أن تُجبر هي وأسرتها على عبور الحدود لتعيش حياة الغربة الدائمة. فوجئ أغلب سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بالكارثة المفاجئة التي بدأت تتكشف لهم في السابع من أكتوبر تشرين الأول بعد أن بدأت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية شن هجمات ردا على هجوم حركة (حماس) الخاطف عبر الحدود الذي تقول إسرائيل إنه أسفر عن مقتل 1200 أغلبهم من المدنيين. وتعهد الجيش الإسرائيلي بسحق حماس، لكنه يقول إن الحركة تخفي أسلحتها ومراكز قيادتها ومقاتليها بين السكان المدنيين الذين تستخدمهم "دروعا بشرية". وتنفي حماس هذا الاتهام. ونزح 80 بالمئة من سكان غزة الآن وكثير منهم نزحوا عدة مرات. ولحقت أضرار بمنازلهم وأعمالهم ومساجدهم ومدارسهم أو دُمرت أو هُجرت لكونها شديدة الخطورة في مواجهة الهجوم الإسرائيلي. وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن 17177 قُتلوا في القطاع. ومع عدم وجود علامات حقيقية على أي مهلة وشيكة، يعيش الفلسطينيون، في العراء على الأغلب، بقليل من الغذاء أو المياه النظيفة ويحاولون تهدئة روع الأطفال الذين يصرخون خلال الليل مع تساقط القنابل والقذائف. وقالت الجمالة وهي تحتضن ابنتها النائمة، واسمها إسراء أيضا، وسط الخيام التي كثرت أعدادها فجأة حول مستشفى في دير البلح بوسط غزة "ينبغي لأي أم حديثة أن تكون في منزلها وتربي الطفل مع أمها ومع أسرتها". وذكرت أن الأسرة تحركت بعد قصف منزلها إلى مخيم مؤقت أمام مستشفى شهداء الأقصى. ووُلدت إسراء الرضيعة هناك يوم 24 نوفمبر تشرين الثاني في ليلة بدء الهدنة التي امتدت أسبوعا وأحيت آمالا في احتمال تراجع حدة الصراع. لكن القتال استؤنف بعد أسبوع وظلت الأسرة في الخيمة، وهي سجادة تغطي الرمال وتنام الرضيعة إسراء على سرير أطفال صغير. وتجد الأسرة مثل آخرين في غزة صعوبة في العثور على الغذاء والضروريات الأخرى. وقالت الجمالة "انظروا إلى حجم احتياجاتنا. لا يوجد حليب. لا يوجد حليب مجفف". وحتى عندما تنتهي الحرب في نهاية المطاف، لا تعلم ما ستفعل بعد قصف منزلهم. وتابعت "أين سنمكث؟ أين يمكننا تربية هذه الطفل؟ أين يمكننا أن نعيش؟". تحت وطأة القصف المكثف عاشت زينب خليل في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة بالقرب من مخيم الشاطئ للاجئين في شمال القطاع. وبدأت إسرائيل تأمر السكان بالتوجه جنوبا في منتصف أكتوبر تشرين الأول، إلا أنها واصلت غاراتها الجوية في أنحاء القطاع. لم تكن زينب ترغب في الرحيل ووصفته بأنه أصعب قرار في حياتها. وتحركت أخيرا إلى ملاذ قريب اعتقدت أنها ستكون فيه بمأمن من القصف، لكن الغارات الجوية اشتدت بعد عشرة أيام تقريبا من قرارها الرحيل. وقالت، متحدثة عن رحلتها المضنية من ملاذ إلى آخر، إنها "رحلة يختلط فيها الخوف واليأس والنزوح والحزن تحت وطأة القصف المكثف" . وحينما اندفعت القوات الإسرائيلية إلى مدينة غزة وحاصرت مستشفى الشفاء، توجهت زينب إلى الجنوب مع أسرتها ومع صديقة سائرين تارة وراكبين على عربة يجرها حمار تارة أخرى. وذكرت زينب أنهم أثناء عبورهم أحد خطوط المواجهة، أمرهم جنود إسرائيليون "بالمشي قليلا ثم التوقف، والمشي ثم التوقف" على مدى أربع ساعات. وانتهى بها المطاف في مدرسة يستخدمها نحو 30 نازحا كملاذ في خان يونس وهو نفس المكان الذي انتهت إليه رحلة بعض بنات إخوتها وأخواتها. وقالت زينب "في هذه الحرب، من لا تقتله القنابل يقتله المرض والحزن واليأس". لكن جيش الاحتلال يأمر الناس الآن في خان يونس أيضا بمغادرتها ولا بد لزينب أن تبحث عن مكان جديد تمكث فيه. المدينة الرئيسة الوحيدة المتبقية للفرار إليها هي رفح المتاخمة لمصر. وينحدر أغلب سكان غزة من نسل لاجئين فروا أو طُردوا من منازلهم خلال نكبة 1948. ويخشى كثير منهم أن تؤول حالهم إلى أن يصبحوا لاجئين مرة أخرى بإرغامهم على الخروج من غزة كلها. عند مرور مي سالم بالسياج الحدودي، صوبت هي وإحدى صديقاتها بصرهما نحو مصر. وكانت قد فرت من منزلها في مدينة غزة وتوجهت أولا إلى النصيرات ثم إلى خان يونس لاحقا قبل أن يستقر بها المقام أخيرا في رفح بعد أن أمر الجيش الإسرائيلي الأفراد بالانتقال مجددا. وقالت مي "بالنسبة لنا، هذه هي المحطة الأخيرة. بعد ذلك، إذا أرادوا تهجيرنا قسرا، فلن نغادر. يمكنهم قتلنا هنا، لكننا لن نترك أرضنا وحياتنا بأكملها. لن نفعل ذلك". نزوح 80 بالمئة من سكان غزة وكثير منهم نزحوا عدة مرات ( رويترز)