يظل الشيخ عبدالرحمن بن سعد بن سعيد (1346-1432ه) -رحمه الله- اسماً عريقاً في تاريخ الحركة الرياضية السعودية ورمزاً خالداً خدم مسيرة شباب ورياضة وطنه بكل وفاء وتضحية وإخلاص في أكثر من موقع من خلال دوره الريادي كواحد من أفراد أول جيل رياضي مارس كرة القدم بالعاصمة الرياض في بداية مزاولتها عام 1365ه / 1945م، واستمرت هذه القامة الإدارية القيادية الرياضية العملاقة صامدة في هذا الميدان منذ ذلك التاريخ ولأكثر من ستة عقود رغم ما اعترضه من أزمات صحية ومعارضات اجتماعية جراء العادات والتقاليد النجدية التي كانت تنبذ ممارسة كرة القدم آنذاك، لكنه لم يتنازل عن قناعاته بجدوى وجود الرياضة في حياة شباب وطنه ودعم انتشارها في المجتمع إيماناً منه بأثرها الإيجابي على حياتهم. بصمات عبدالرحمن بن سعيد بقيت خالدة ومحفورة بقوة في سجلات التاريخ لثلاثة من أنديتنا الكبرى (الشباب – الهلال – الأهلي)، وما نحن بصدد الحديث عنه.. نشاطه الفاعل في بداية مشواره الرياضي ودوره في تأسيس نادي الشباب قبل 78 عاماً مع مجموعة من الأشخاص المؤسسين الذين اختاروه رئيساً لناديهم رغم أنه كان أصغرهم سناً لسماته القيادية وفكره الرياضي النيّر وحالته المادية الطيبة، إذ كان «آل سعيد» من أوائل الأسر الغنية التي اشتغلت بتجارة العقار في مدينة الرياض منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه-. وأغدق ابن سعيد على نادي الشباب من ماله بسخاء في بداياته التأسيسية واستمر على ذلك لعقد من الزمان وبعد اشتداد عود (شيخ الأندية) الذي كان أول أندية العاصمة تأسيساً في العام 1367ه / 1947م اختار ابن سعيد الاستقالة من رئاسة الشباب ليقدم على تأسيس ناد آخر يعتبر اليوم واجهة الكرة السعودية والآسيوية المضيئة وثاني أندية العالم.. نادي الهلال، في العام نفسه الذي استقال فيه من رئاسة نادي الشباب 1377ه وكان تحت مسمى (الأولمبي) قبل أن يتغير للهلال بأمر الملك سعود -رحمه الله-. وفي العام التالي لتأسيس الهلال ترأس عبدالرحمن بن سعيد مجلس إدارة النادي الأهلي بجدة لمدة عامين.. استقال بعدها ليتفرغ لإدارة مسيرة الهلال. شككوا في رئاسته للشباب! ومن أبرز المواقف السلبية التي صادفها عبدالرحمن بن سعيد في حياته الرياضية قيام بعض الشبابيين في التشكيك بحقيقة أنه أول رئيس لناديهم، وأن محمد إبراهيم مكي هو الرئيس الأول للشباب، واستمر هذا الاعتقاد الخاطئ الذي تبناه بعض من اختلف معهم (شيخ الرياضيين) رغم أنهم لم يكونوا ضمن مجموعة مؤسسي النادي إلا أن الزمن كان كفيلاً بكشف الحقيقة وإنصاف ابن سعيد في حقه التاريخي والمشروع كمؤسس وأول رئيس لنادي الشباب خلال الفترة من 1367ه وحتى 1377ه. «عميد المؤرخين» كشف الحقيقة ويعود الفضل -بعد الله- في كشف تلك الحقيقة لعميد المؤرخين د. أمين ساعاتي الذي استضفناه اليوم ليحدثنا عن ملابسات ذلك اللغط التاريخي، وكيف تم إماطة اللثام عن حقيقته وحسم الجدل لصالح عبدالرحمن بن سعيد بأحقيته في الرئاسة الأولى ل(شيخ الأندية). يقول د. أمين ساعاتي في بداية حديثة ل (الرياض): «صلتي بالعم عبدالحميد مشخص -رحمه الله- عميقة وكبيرة، فعندما سجلت بنادي الاتحاد وأنا في درجة الأشبال كان هو رئيس النادي.. رحب بنا وأحاطنا بعنايته ورعايته، ومن هنا نشأت العلاقة الأبوية بيني وبينه، وبعدها سافر للرياض بحكم انتقال وظيفته، وبعد سنوات التقيته فيها ويعد من الركائز المهمين الذين أمدوني بالتاريخ عن رياضة المنطقة الوسطى باعتباره من أوائل قوافل الموظفين الذين سافروا للعاصمة وكان مع فريق الموظفين كإداري، إذ كانت مجموعة الموظفين بعضهم يلعب والبعض الآخر كان إدارياً، وأذكر من الموظفين اللاعبين أبو عبدالله الصائغ وعبدالرحمن بن سعيد، لكن العم عبدالحميد مشخص كان إدارياً فقط أو حكماً يمسك الصافرة». المشخص تراجع عن خطئه بشهادة الفتيحي في البداية قال لي العم عبدالحميد إن أول رئيس للشباب كان محمد مكي فأخذت منه كمؤرخ مثلما أخذت من بقية المعاصرين والرواد، وبعد ذلك بسنوات وتحديداً في عام 1412ه حدث أن وجهت له دعوة لزيارة بيتي في جدة مع العم حمزة فتيحي -رحمهما الله- وحضر الاثنان، ولدي صورة بهذه المناسبة لهما مع أبنائي وكانوا صغاراً آنذاك واليوم بفضل الله أصبحوا دكاترة. وفي تلك الزيارة وفجأة التفت إليّ المشخص قائلاً: «أنا سبق أن قلت لك محمد مكي هو أول رئيس للشباب وأود أن أصحح معلومتي هذه الخاطئة التي ذكرتها لك قبل سنوات، فسألته ما التصحيح؟ ابن سعيد الرئيس وليس المكي أجابني: «المؤسس ورئيس نادي الشباب الأول هو عبدالرحمن بن سعيد وليس محمد مكي»، وأضاف أن «المكي كان مع المجموعة ولكنه لم يكن رئيساً». فسألته مرة أخرى هل أسجل هذا الكلام على لسانك؟ فرد علي: «نعم، سجل» فضحكت والتفت للعم حمزة فتيحي، وقلت «له اسمع واشهد ماذا يقول أبو غازي إن ابن سعيد وليس المكي أول رئيس لنادي الشباب». فرد العم حمزة قائلاً: أنا شاهد على تراجعه عن رأيه السابق وتصحيحه معلومته السابقة، وتأكيده أن ابن سعيد مؤسس الشباب وأول رؤسائه، ففعلت ذلك، ومن أجل توثيق الأمور وأن المشخص تراجع عن خطئه وصحح معلومته السابقة، وهذا من حقه من الناحية التاريخية، وأي شخص يود تصحيح معلومة فمن حقه أن يتراجع عن خطئه ويصحح معلومته. الغامدي لم يصدق تراجع «أبو غازي» عندما نشرت تصحيح عبدالحميد مشخص في عكاظ اطلع عليه الإعلامي الشبابي عبدالعزيز سالم الغامدي -رحمه الله- واتصل بي والدهشة تغمره مستفسراً بالقول: معقولة أبو غازي قال لك هذا الكلام؟ فأجبته: نعم، وأبو غازي موجود عندكم في الرياض تستطيع التأكد منه، واسأله لو سمحت. فقال لي الغامدي مذهولاً: «إنا لله وإنا إليه راجعون». وهو بلا شك تأكد من أبو غازي بعد ذلك وسلّم بالحقيقة لأن الغامدي لم يعاود الاتصال بي فعرفت أنه تأكد بنفسه من المشخص بالحقيقة التاريخية والمنصفة لابن سعيد. لذلك العم عبدالحميد صحح معلومته لي وأنا قبلت التصحيح ولا بد من ذلك فهذا من حقه أن يصحح أي معلومة يخطئ فيها، وأنا حتى الآن إذا أخطأت في معلومة لا أصر على الخطأ وأتراجع بالمبادرة في تصحيحه. «أبو مساعد» تفاجأ بتأكيدي لحقّه التاريخي وتبعاً لذلك اعتبرت هذه معلومة مهمة جداً للأمانة التاريخية حتى أن عبدالرحمن بن سعيد عندما نشرت التصحيح في الجريدة اتصل بي يشكرني وكان في قمة السعادة أن عبدالحميد مشخص تراجع عن خطئه وصحح معلومته السابقة فقلت له: «لم يحصل بيني وبينك يا «أبو مساعد» أي اتصال بخصوص هذا الأمر، وكل ما في الأمر أن المشخص زارني. وفجأة قال لي إنه أخطأ في معلومته عن اسم أول رئيس لنادي الشباب وأنه يود تصحيح كلامه السابق وأنا من واجبي أن أنشر هذا التصحيح وأذيعه لأرى ردود الأفعال وأصداءه أيضاً وهذه المعلومة المهمة حرصت على رصدها وتأكيدها من أجل أن ننقي تاريخنا من الشوائب والمعلومات المغلوطة نحذفها بعدما يتبين لنا عدم صحتها، والحمدلله الخلافات الموجودة في تاريخنا اليوم تضاءلت كثيراً وأصبحت الحقائق سيدة الموقف والاجماع عليها بعيداً عن أي لبس أو مغالطة في الأحاديث والتاريخ والتوثيق والرصد كلها خالية من الشوائب وتسير في الاتجاه السليم إن شاء الله». «شيخ الرياضيين» يطلع «عميد المؤرخين» على وثائقه التاريخية العم حمزة فتيحي في القاهرة عام 1958م (جالساً) وسط زملائه «من اليمين وقوفا» جاد الله عطية ، أحمد غيث ، عبدالمجيد بخش، عبدالحميد مشخص ، عبدلله بسيوني ضوئية لأحد خطابات نادي شباب الرياض البلدي بتوقيع رئيسه عبدالرحمن بن سعيد في تاريخ 21 /5 /1372ه عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- أول رئيس لنادي الشباب (الأول من اليمين وقوفاً) مع فريقه الكروي عام 1376ه عبدالحميد مشخص وحمزة فتيحي -رحمهما الله- خلال زيارتهما لمنزل الساعاتي عام 1412ه ويظهر د. أمين حاملاً ابنه «د. تليد» عبدالحميد مشخص عندما كان رئيساً للشباب عام 1389ه فريق الهلال في بداياته مع مؤسسه ورئيسه ابن سعيد (الرابع من اليمين وقوفاً) عام 1379ه