وفقا للمستشرق الإنجليزي تشارلز داوتي أثناء إقامته في عنيزة سنة 1878م وبالرغم من عدم وجود أطباء في نجد كما يقول. إلا أن هناك بعض الحكماء المتواضعين يقومون بالتشخيص والمعالجة وقد جرى استدعائه إلى بيت آخر لأسرة البسام من أجل لقاء حكيم من أبناء عنيزة يعمل ناظر مدرسة في البلدة. كان ذلك الرجل يجلس بالقرب من وجار قهوة البسام ينتظر الرحالة الإنجليزي بشغف ومحياه كما وصفه يوحي بالاحترام – قال الرجل إنه حصل على مهارته المتواضعة عن طريق القراءة في الكتب القليلة لديه والتي حصل عليها بشق الأنفس وقام في هذه الأثناء بتوجيه بعض الأسئلة البسيطة والكثيرة لداوتي وكان يحني رأسه احتراما لإجاباته وأحس بسعادة بالغة للقائه إياه. وتبين لداوتي كما قال إن ذلك الرجل المسكين كان يتعجب من أن تعليم الأساتذة الأجانب لم يكن تعليما مظلما أو صعب المنال. في تلك الأيام الأخيرة ووفقا لداوتي كان ذلك الحكيم البسيط قد قام بتطعيم كل أطفال البلدة واعترف أن كثيرا من الأطفال يموتون بهذه الطريقة – ولكنه سبق له أن قرأ أن تطعيم الجدري الذي يستعمله النصارى لا يتسبب في وفاة أي طفل. وبعد أن استمع لداوتي وأكد له بأن المرض يسمى جدري البقر قال بأنه سوف يراقب صباحا ومساء الأبقار وهي عائدة وذاهبة إلى المرعى من خلال بوابة البلدة ولعله يعثر على ميكروب الجدري على ضرع واحدة من تلك الأبقار(وكان العم محمد كما يقول داوتي قد بحث عن ذلك الميكروب من قبل دون طائل في خيبر)!! واقترح داوتي على رجال عنيزة أن يوفد هذا الرجل المحترم إلى الشمال حتى يتعلم الطريقة المثلى للتطعيم وحتى يتمكن من تطعيم الناس في هذه الأجزاء من نجد بطريقة صحيحة خصوصا أن التطعيم كان موجودا في عنيزة حسب ما أكد أهلها قبل ثلاثين عاما وكان تطعيما حقيقيا. وأبدى داوتي في نفس الوقت استعداده للسفر بنفسه إلى بغداد إذا ما استطاعوا أن يوفروا له ناقة حتى يعود لهم مرة أخرى ومعه الطعم المطلوب. وهنا يعلق داوتي قائلا: لكن الرغبة أو الأمل في المصلحة العامة لا يمكن أن تحرك أهل الجزيرة العربية عموما فهؤلاء الناس كما قال لا يمكنهم الاستجابة مطلقا لفكر الإنسان الاحترازي الذي يرون أنه يشكك في العناية الإلهية – صحيح أن دينهم يحثهم على التداوي الذي أوجده الله في الأرض لخدمة الإنسان ولكنهم لا يمكن لهم في فهمهم أن ينجو من الطاعون أو الوباء. مشيرا إلى أن بعض التجار سبق أن جلبوا معهم ذلك الطعم – وهذا ما فعله عبدالله البسام في العام الماضي. ومع ذلك فإن الطعم لم يتجاوز جدران منازلهم. وفي هذا السياق قال له العم محمد وبعض البدو بأن هناك مرضا يصيب الإبل يشبه ذلك المرض الذي عرفوا من داوتي بأنه فعلا يسمى جدري البقر وأضاف داوتي: الجدري مرض سريع الانتشار وذات يوم وجدت مضيفتي الزنجية الشابة تولول فقد أحضرت طفلها الصغير وقد أصابه إعياء شديد عندما كان يلعب في القاع وبالتالي مرض طفلهم الآخر. قائلا عن نفسه أنا لن أبقى في ذلك المكان الضيق حتى لا أتنفس الهواء الموبوء ولكني تركت أشيائي وأمضيت الأيام التي تلت ذلك اليوم في الشوارع وعند ما كان يحل عليّ الظلام كنت ما أزال صائما ولا أعرف أين سأنام إلا أنه خطر ببالي أن مسألة إصابتي بالمرض هنا ممكن أن تفوق كل الأخطار والمصائب الحالية. لم يكن أحد يعرض عليّ أو يعزمني على بيته. وعندما غلبت على أمري في المساء، والناس هنا يطرقون الأبواب بطريقة إيقاعية، قصدت باب أحد مرضاي – كنت قد أهديته شيئا من الدواء وعند ما طرقت الباب سمعت صوتا قادما من الداخل يقول أجلط "اقلط" فدخلت البيت وطلبت ممن كانوا فيه أن يتركوني أنام على أرض الكوخ المفروش بكمية من رمل النفود. (يتبع) التطعيم في القرن الماضي يجلس الرجل بقرب وجار القهوة