إذا اعتبرنا أن الماء والهواء هما العنصران الأساسيان لاستمرار الحياة، فإن الكهرباء لهي بلا شك عامل أساس لتوفير الراحة والدعة والمتعة والرفاهية والحياة الرخيَّة الهانئة الأمر الذي يجعلنا لا نستغني عنها أو حتى نتحمَّل حرماننا منها ولو للحظة واحدة في حياتنا اليومية. وإذا كان للكهرباء جوانب مشرقة مضيئة معروفة لدى الجميع فإنها معروفة بأنها صديق ودود أو عدو لدود بمعنى أن لها أيضًا جوانب أخرى حالكة وقاتمة قد يجهلها ولا يدركها كثير من الناس إمَّا بسبب الجهل أو الغفلة أو التهاون أو سوء الاستخدام، وهذه الجوانب علينا أن نعيها ونحيط بها لنتفاداها ونتجنبها للوقاية من أخطارها الماحقة وحوادثها المميتة كالصعق الكهربائي أو نشوب حرائق تزهق الأرواح وتودي بالمساكن والممتلكات. لذلك قد تكون وسائل استخدام الكهرباء في حد ذاتها سليمة وآمنة للمستخدم العاقل والمتدبر وقد تكون خطرة ومميتة للجاهل والمستهتر. والآن لنلقي الضوء على تلك الجوانب المظلمة الداكنة للكهرباء والتي لا شك يجهلها الكثيرون حيث إن معظم حالات الحرائق والانفجارات والإصابات والخسائر المؤسفة بالإمكان تفاديها وتجنب تبعاتها وتكاليفها لو أحسن مستخدمو الكهرباء مراعاة وتطبيق اشتراطات ومتطلبات السلامة والأمان المنصوص عليها في بنود الكود الكهربائي السعودي للتمديدات والتركيبات الكهربائية للمباني الصادر بهذا الشأن (هو الآن قيد التطبيق). من واقع سجلات الإدارة العامة للدراسات والبحوث بالمديرية العامة للدفاع المدني يتبين أن الكهرباء تأتي في مقدمة الأسباب التي يُعزى إليها نشوب الحرائق وما ينجم عنها من وفيات وحروق وإصابات وخسائر وتكاليف مادية جسيمة، ولعل من أهم تلك الأسباب الجوهرية وراء ذلك هو سوء التمديدات الكهربائية وعدم كفاية الأسلاك وأحجامها وخلوها من وسائل الحماية (قواطع التيار التي توقف التيار عند تجاوزه الحدود المقننة للأسلاك بسبب التحميل الزائد أو حدوث تماس كهربائي في الجهاز الموصَّل أو بين الأسلاك ذاتها) حيث اعتاد أن يقوم بتلك التمديدات عُمَّال غير مؤهلين وغير أكفاء أو مرخص لهم بمزاولة العمل. كذلك، جهل الكثير من المستخدمين (مستهلكو الكهرباء) في التعامل مع الكهرباء إما عند تشغيل الأجهزة الكهربائية أو بسبب رداءة تصميم وتدني تصنيع تلك الأجهزة والمعدات الكهربائية غير المطابقة للمواصفات القياسية، كذلك الجهل واللامبالاة عند تحميل المقابس بعدد من الأجهزة يفوق طاقتها المقننة لها، وعندئذ قد تحترق أسلاكها الداخلية فتحدث حرائق تبعًا لذلك، الأمر الذي يشكِّل خسائر فادحة في الأرواح وتكاليف باهظة في المعدات والممتلكات. كما يجب أن نعي أنه عند حدوث حريق بسبب تماس كهربائي فيجب المبادرة أولا بقطع الكهرباء مباشرة من مصدرها لأن صب الماء على الموصلات الكهربائية بوجود التيار الكهربائي يعتبر عملاً خطيرًا حيث إن الماء لا يجدي في إخماد الحريق إلا بعد قطع التيار الكهربائي من مصدره أولا. إن مخاطر حوادث الحريق وما ينجم عنها من خسائر في الأرواح والممتلكات تحتم ضرورة تضافر جهود كافة الجهات المعنية في مجال التوعية الوقائية للحد من هذه الحوادث وحث إدارات المنشآت العامة والخاصة والمواطنين على توفير أنظمة السلامة ووسائل الإطفاء وأجهزة الإنذار وكاشفات الدخان وإجراء الصيانة الدورية لها للتأكد من سلامتها وجاهزيتها والسرعة والمبادرة في التعامل مع حوادث الحريق حيث إن الدخان المنبعث في بدايات اشتعال الحرائق قد يتسبب في حدوث وفيات نتيجة للاختناق في وقت مبكر من بدء اشتعال تلك الحرائق. أما بالنسبة لانعكاس حوادث الحريق الناجمة عن التماس الكهربائي على الاقتصاد الوطني فيبدو واضحًا من خلال التقرير الذي أصدرته المديرية العامة للدفاع المدني بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للدفاع المدني أن إجمالي الخسائر المادية الناجمة عن حوادث الحريق خلال الخمسة أعوام الماضية على مستوى المملكة ما يقارب 211 مليون ريال. إن المؤشرات الإحصائية التي تضمنها التقرير وما يرتبط بها من مدلولات عن نوعية حوادث الحريق ومسبباتها تمثل محورًا مهمًا لتعزيز الإجراءات الوقائية بالتنسيق مع الجهات الحكومية والأهلية كوزارة الطاقة وشركة الكهرباء وهيئة تنظيم الماء والكهرباء والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من الجهات المعنية الأخرى للحد من مخاطر الحريق وما ينجم عنها من خسائر بشرية ومادية معولين على تفاعل كافة مؤسسات المجتمع في دعم جهود الدفاع المدني في نشر ثقافة السلامة وتنمية الوعي الوقائي ضد مخاطر الحريق والالتزام بلوائح الدفاع المدني الخاصة باشتراطات الوقاية من الحريق وتركيب أنظمة الإنذار المبكر وكاشفات الدخان ومانعات الصواعق في المنشآت العامة والخاصة. إن توفر البيانات والإحصائيات من قبل الجهات المعنية ولعل من أهمها الدفاع المدني لا شك سيكون له انعكاس على توفير وإيجاد الطرق والوسائل لدرأ مخاطر الكهرباء بدءًا من التثقيف والتوعية بأخذ الحيطة وتوخي أسباب الحيطة والحذر لتجنب كوارث الحريق والتي يعزى معظمها إلى سوء تمديدات واستخدامات الكهرباء إلى جانب تدني ورداءة الأدوات والأجهزة والمعدات الكهربائية الواردة للسوق السعودي وعدم مطابقتها للمواصفات القياسية السعودية الصادرة بهذا الشأن. كما أن الدفاع المدني بمعلوماته وخبراته وسجلاته المتعلقة بمسببات الحرائق في المباني يمثل ضرورة لازمة ومرجعًا هامًا نحو اتخاذ الإجراءات الوقائية والارتقاء بمستوى الوعي وجاهزية مراكز الدفاع المدني الميدانية للتعامل مع الحوادث الأكثر انتشارًا بما يلائمها من وسائل الإطفاء وكيفية التعامل مع الحدث وإزالته أو على الأقل التخفيف من آثاره البشرية وخسائره المادية، إذن لا شك أن توفر تلك الإحصائيات ودقتها وجاهزيتها سيعين في التصدي لحوادث الحريق وعلاج جذورها والتخفيف من كوارثها وإزالتها بإذن الله. *جامعة الملك سعود