منذ اندلاعها في السابع من أكتوبر الماضي، أدت أحداث غزة إلى هزة غير مسبوقة في العالم، غبار المعركة وصل إلى كل الدول تقريباً، بل إن بعض المحللين تحدث عن إمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب تداعياتها. التغطية الإعلامية التي صاحبت هذه الحرب غير مسبوقة، حيث جاءت في أوج نضج وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي كانت صور الحرب البائسة والدمار الذي حل بالقطاع وأشلاء القتلى تقتحم شاشات الهواتف دون الحاجة للبحث عنها. المشاهد كانت تحك الأعصاب ببشاعتها، الكيان الصهيوني أطلق حملة مسعورة تمخضت عن مأساة إنسانية تقطر ألماً. تفرج العالم على هذا المهرجان الدموي وتباينت الآراء حول الفاعل وردة الفعل ومن المخطئ ومن المصيب؟ وما حصيلة الحرب؟ وهل كانت تستحق المجازفة؟ وهو جدل لن ينتهي ولن يربحه أحد. إلا أن غربان الجيف داعش والجماعات المتطرفة (من جميع الأيديولوجيات والأديان) بدأت تحوم حول الأحداث؛ فمثل هذه المناسبات تعد فرصاً ذهبية لتلك الجماعات لإعادة ترتيب الصفوف واحتضان المأزومين نفسياً الذين أنهكتهم مشاهد الحرب والبدء في تجنيدهم. تنظيم داعش تحديداً ولد ونشأ ونشط في البقع التي نسفتها الحروب، ويقتات على الفوضى التي تخلفها الصراعات، هذا على المستوى المكاني، لكن في البعد الفكري؛ فهو ينشط في كل مكان ويستغل الفضاء الرقمي للتجنيد والتلاعب العقلي وبث أيديولوجيته المريضة. وإذا كان التنظيم قد دخل في مرحلة كمون خلال الثلاث سنوات الماضية فهذا لا يعني أنه انتهى أو أن خطورته قد تقلصت. الأحداث الأخيرة في غزة وكل ما صاحبها من ضخ بصري لمشاهد مؤلمة سوف تسهل عملية التجنيد التي يسعى إليها داعش، وللأسف سيسهل احتضان المأزومين ذوي الشخصيات الهشة من قبل التنظيم وتنفيذ الأجندات التي يسعى إليها، وكما شاهدنا في السابق؛ التنظيم لا يستهدف منطقة بعينها بل يتحرك في جميع أنحاء العالم بحسب ما يخدم أجندته، وأتباعه موجودون في كل مكان تصل إليه رسالته مما يعني في جميع الدول المتصلة بالإنترنت؛ فهو لا يعتمد على التجنيد وجهاً لوجه فحسب؛ بل يستغل كل ثغرة رقمية ويتسلل من خلالها، حتى إن الألعاب الإلكترونية ذات البث المباشر أصبحت أحد المنافذ المفضلة له بسبب سهولة التجنيد من خلالها. العالم نجح في محاصرة التنظيم وتقليص قدراته خلال السنوات الماضية، لكن يجب أن تستمر الحرب بلا هوادة على هذا التنظيم المتطرف وألا نغفل عن المناطق الرخوة التي من الممكن أن يعاود النشاط من خلالها.