رعى محافظ مرات الأستاذ سند بن عماش آل حفيظ ندوة عن الشاعر حمد الحجي – رحمه الله - شارك فيها كل من الكاتب والشاعر سعد بن عبدالله الغريبي عضو النادي الأدبي بالرياض ود. عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود سابقاً وأدار الندوة د. عبدالله بن حمد الدايل عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود سابقاً، وقد أقيمت الندوة في مركز حمد الحجي الثقافي بجمعية التنمية الاجتماعية بمحافظة مرات، والذي أطلقته الجمعية تكريماً للشاعر الراحل، وقد حظيت الندوة بحضور عدد كبير من كبار المثقفين والأدباء، وبدأت الندوة بحديث شيق من قبل الكاتب والشاعر سعد الغريبي بعنوان حمد الحجي والمجتمع قال فيه: يظن كثير من المهتمين بالشاعر حمد الحجي وحياته أنه معادِ لمجتمعه ناقم عليه، بسبب ما يرون من عزلته عن أبنائه ومن هجومه عليهم، وبخاصة الشباب منهم، والصحيح أنه بخلاف هذا تماما، فما نقمته إلا من فرط حدبه عليه ومحبته له، إنها نفثات مصدور عما يحس به من حسرة، لعدم التفاتهم لتثقيف أنفسهم، وعدم اكتراثهم بما يحيط بهم من أحداث في العالم العربي الخاضع جزءٌّ منه للاحتلال، ما يضطره إلى التعبير عن توقه لمفارقتهم مكرها: يا دهر إني سئمت العيش في ملأ عافوا ائتلاق الضحى واستمرؤوا الوسنا إن شاعرنا الحجي محب لوطنه، وبخاصة نجد، يتذكَّر ما فيها من رياض وحقول، وجبال وسهول، وأزهار ورياحين، وهو بين جبال لبنان وينابيعها، فيفضلها على لبنان، بكل ما فيها من جمال: قل للذي زار لبنانا وجنته فبات من عقله المخدوع مسلوبا لا تذهبنَّ بك الذكرى مجنحة وترتقي بك فوق السحب منهوبا فنجد لبنان في فصل الربيع لذا أمسى الجمال لنجد اليوم منسوبا وهو ليس متعلقا بوطنه فحسب، بل بأهله وخلانه: أراني غريبَ الدار بالشام مُبعدا أعاني عذاباتي و أشربُها وحدي أراقبُ إخوان الصفاء وما الذي تبدَّى لهم من راغد العيش من بعدي وتحدث الغريبي عن مرض الحجي قائلاً: إن مأساة حمد هي أن مجتمعه لم يكن في مستوى الرؤية المثالية، والصورة الأنموذج التي رسمها في ذهنه لهم، وقد فاقم مرضه من حساسيته المفرطة ، زد على ذلك أنه قارئ نهم ، ومفكر عميق واسع الاطلاع ، في مجتمع لا يكترث إلا بما يسد رمقه ، وقد شخّص شاعرُنا حالته التي لم يستطع تشخيصَها أهلُه ومجتمعه والمحيطون به ، إذ يقول: وأصبحت في هذي الحياة مفكرا فجانبت فيها لذتيوهنائي ومن يطل التفكير يوما بما أرى من الناس لم يرتح ونالجزائي على إثر ذلك تناقل مجتمع حمد أنه مصاب بمرض نفسي، وبدأ المقربون منه يبحثون له عن علاج، لكنه بحثُ الجهلاء، ولذا أودى به التشخيص الخاطئ والعلاج البدائي وتردده على المصحات داخل المملكة وخارجها، وهنا أضم إلى شاعرنا شاعرين من شعراء القرن العشرين، كثيرا ما يقرنان بشاعرنا الحجي، لأنهما شهرا ببؤسهما - وإن اختلفت أسبابه - وعُرفا باختفائهما المبكر عن مسرح الحياة بعد أن أضاءا سماء الشعر بإبداعهما، هذان هما التونسي أبو القاسم الشابي (1909-1934) والكويتي فهد العسكر (1913-1951)، وأدت بهما النظرة التشاؤمية - كشاعرنا الحجي - إلى إعلان سخطهما على المجتمع، يتفق الشعراء الثلاثة في سخطهم على الإنسان، فالحجي لا يرى الناس إلا: بينَ نذْلٍ، وخائنٍ وعدوٍّ وحسودٍ وصاحبٍ ذي كذابِ والشابي لا يراهم إلا خبثاء غادرين: آهٍ من الناس الذين بلوتهم فقلوتُهم في وحشتيوحبوري ما منهمُ إلا خبيثٌ غادرٌ متربصٌ بالناس شرَّ مصيرِ والعسكر يصب جام غضبه على فئة لم يفهموه: وهناك منهم معشرٌ أفٍّ لهم كم ضايقوني هذا رماني بالشذوذِ وذا رماني بالجنونِ بعد ذلك تحدث د. عبدالله عبدالرحمن الحيدري عن الشاعر حمد الحجي قائلاً: حمد بن سعد الحجي هو أعظم شاعر أنجبته قبيلة هذيل في العصر الحديث، وهو يأتي امتدادًا لأجداده الفحول من الشعراء كأبي ذؤيب الهذلي، وأبي كبير الهذلي، بل إن ديون شعر هذيل كما يقول ناصر الدين الأسد في كتابه "مصادر الشعر الجاهلي" هو الديوان الوحيد الذي وصل إلينا من شعر القبائل، وهذا يدل على اهتمام الرواة به لجودته وأهميته، وعندما جاء العصر الحديث لقي شعر الهذليين اهتماما كبيرًا في الجامعات، ومنها دراسة الدكتور أحمد كمال زكي شعر" الهذليين في العصرين: الجاهلي والإسلامي"، وعليه فكيف لنا أن نحتار في تفسير عبقرية حمد الحجي ونبوغه وتفرده وهو سليل هؤلاء الشعراء الفحول الذين شرح شعرهم السكري، وحلله أحمد كمال زكي في عصرين، ولكن لماذا غفلت اللجنة المنظمة لهذا المهرجان ولهذه الندوة فلم توجّه الدعوة للسكري وناصر الدين الأسد وأحمد كمال زكي كي يبتهجوا معنا بتدشين مركز حمد الحجي في محافظة مرات، واستكمل الحيدري حديثه قائلاً: يمكن تلخيص حياة الشاعر السعودي حمد بن سعد الحجي بأنها قصيرة وحزينة، ويمكن أيضاً أن نحدد مرحلتين في حياته، الأولى مدتها ثلاث وعشرون سنة تبدأ من الولادة عام 1357 ه في بلدة (مرات) من إقليم الوشم غرب مدينة الرياض وتنتهي في عام 1380ه ، وهو العام الذي بدأت فيه معاناته مع المرض ، أما المرحلة الثانية فتبدأ من عام 1380ه وحتى عام 1409ه، وهو العام الذي توفي فيه -رحمه الله-، وهي مدة تقترب من ثلاثين عاماً ذاق فيها الشاعر آلاماً نفسية مبرّحة وعذاباً متواصلاً من جراء المرض النفسي الذي أصيب به والمتمثل في انفصام حاد في الشخصية ، وتوقفت شاعريته ونضب معينه وانصرف إلى نفسه يتأملها مطيلاً التفكير متنقلاً بين مستشفيات الصحة النفسية والمصحات في الداخل والخارج ، وصورها بقوله : ومن يُطل التفكير يوماً بما أرى من الناس لم يرتخ ونال جزائي! وقد اتصل الشاعر بالصحافة المحلية وبخاصة جريدة اليمامة فنشر فيها في المدة من 1376 - 1379 ه تسع قصائد، وثلاث مقالات ، وعاجله المرض وحال دون جمع قصائده في ديوان ، وشاءت إرادة الله أن يصدر في سنة وفاته في عام 1409 ه عندما تولى محمد الشدي جمع القصائد من الصحف والمجلات ومن أصدقائه وأصدرها تحت عنوان "عذاب السنين " ، ثم أعادت وزارة الإعلام طباعته في عام 1440ه / 2019م. وإضافة إلى النشر في الصحف والمجلات كان حمد الحجي يشارك في النشاط الأدبي والثقافي في الكلية؛ ولهذا عرفه الوسط الثقافي بقوة، وترجم له عبد الله بن إدريس وأورد نماذج من أشعاره في كتابه الشهير شعراء نجد المعاصرون ، وكان عمر الحجي وقت ذاك لا يزيد على ثلاثة وعشرين عاماً ومن الذين أعجبوا بشعر الحجي في وقت مبكر الناقد الدكتور محمد بن سعد بن حسين ، فلقد خصه بالمحاضرة الثالثة من كتابه "الأدب الحديث في نجد" الصادر في عام 1391ه، ثم شارك في مؤتمر النقد العربي الأول في جامعة اليرموك بالأردن عام 1400 ه ببحث عنوانه "حياة حمد الحجي وشعره ، ثم نشر عنه كتاباً مستقلاً في عام 1407 ه عنوانه "الشاعر حمد الحجي"، ثم نشر عنه خمس مقالات في سنوات متقاربة ، وتوج الاهتمام بشعر الحجي برسالة ماجستير سجلت في كلية اللغة العربية بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1424 ه وعنوانها "حمد الحجي شاعراً للباحث خالد بن عبدالعزيز الدخيل ، وإشراف الدكتور عبدالرحمن بن عثمان الهليل ، ونوقشت في عام 1427ه ، وطبعت في كتاب في العام نفسه مع تغيير في العنوان حيث أصبح حمد الحجي شاعر الآلام" ، ثم أعاد النادي الأدبي بالرياض طباعة الكتاب عام 1438ه / 2017م ، ومن الذين اهتموا بالتأريخ لسيرة حمد الحجي ابن بلدته ومعاصره الأستاذ عبدالله بن عبد العزيز الضويحي الذي أصدر عنه في عام 1440ه / 2019م كتابًا ممتازًا عنوانه "حمد" الحجي: الشاعر والإنسان" ، وهو فيما يظهر بيننا في هذه الندوة فلعله بعدها يحدثنا عن قصة هذا الكتاب (وقد علت وجوه الحاضرين الدهشة اذ لم يكن المؤلف الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي بين الحضور بينما كان من المفترض أن يكون على رأس المدعوين وأن يكون من المتحدثين الرئيسين في الندوة بحكم معاصرته للشاعر حمد الحجي ولقائه به في كل حين حينما كان في مرات وافراده بمؤلف خاص ضمن مؤلفاته المتعددة ) واستطرد الدكتور الحيدري حديثه قائلاً : كما أصدر عنه الباحثان منصور الجابري وشليويح العنزي كتابًا عنوانه "قصة حمد الحجي : قراءة طبية جديدة ، وتولى نشره النادي الأدبي بالرياض عام 1444ه /2023م . وفي ختام الندوة أتيحت الفرصة للحضور بالمداخلة حيث استمع الجميع الى مداخلات كل محافظ مرات الأستاذ سند بن عماش آل حفيظ ، والدكتور محمد عبدالرحمن الربيع وكيل جامعة الامام محمد بن سعود سابقاً ورئيس النادي الأدبي بالرياض ، والدكتور سعود الجايري ، والدكتورة أسماء الحسين المحاضرة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن ، والإعلامية منيرة المشخص ، وأبناء أخت الشاعر حمد الحجي كل من الأستاذ دعيج بن محمد الدعيج ، واللواء على بن محمد الدعيج ، والدكتور أحمد الأسود أستاذ الجولوجيا بجامعة الملك سعود سابقاً ، والمشرف على مركز حمد الحجي الثقافي الأستاذ عبدالله إبراهيم الدعيج. د. الدايل يتوسط د. الحيدري والغريبي خلال الندوة محافظ مرات في مقدمة حضور الندوة ويظهر د. الربيّع والمنصور وعدد من الحضور