خطيب المسجد الحرام: أخلصوا عملكم لله فالعمر قصير واتركوا الزلل فالحساب عسير    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    الذهب يتّجه لتسجيل مكاسب أسبوعية وسط ترقب لبيانات أميركية    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    أنشيلوتي معجب ب «جماهير الجوهرة» ويستعد لمواجهة برشلونة    «عباقرة التوحد»..    وزير الطاقة: الربط الكهربائي مع اليونان أثمر عن تأسيس شركة ذات غرض خاص    أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    الحمار في السياسة والرياضة؟!    ريال مدريد يتأهل لنهائي السوبر الإسباني على حساب ريال مايوركا ويلاقي برشلونة    ماذا بعد دورة الخليج؟    عام مليء بالإنجازات الرياضية والاستضافات التاريخية    أسرار الجهاز الهضمي    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    الضمان الاجتماعي.. 64 عاماً من التكافل    الصدمة لدى الأطفال.. الأسباب والعلاج    كيف تكسبين زوجك؟!    «متطوعون» لحماية أحياء دمشق من السرقة    «الأوروبي» في 2025.. أمام تحديات وتوترات    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    سالم ما سِلم    العقل والتاريخ في الفكر العربي المعاصر    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    تموت الأفاعي من سموم العقارب!    إنجازات المملكة 2024م    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    لا تحرره عقداً فيؤذيك    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    أفضل الوجبات الصحية في 2025    ثنائية رونالدو وماني تقود النصر للفوز على الأخدود    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من رئيس السنغال    حقيقة انتقال فينيسيوس جونيور إلى دوري روشن    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    أمانة الشرقية تكشف عن جهودها في زيادة الغطاء النباتي للعام 2024    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    «الثقافة» تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمد الحجي.. شاعر الألم والمعاناة
نشر في الرياض يوم 08 - 09 - 2017

ولد حمد بن سعد الحجي عام 1357ه، بمحافظة مرات شمال الرياض، وعُرف والده بالشعر الشعبي، وفقد أمه صغيراً، فنشأ يتيماً، ووجد مع أخته زوجة الشيخ محمد الدعيج ما عوضه عن فقد الأم، وبدأ تعليمه في الكتاتيب، ثم التحق بالمدارس النظامية، ودرس في المدرسة الابتدائية حتى نال شهادتها عام 1371ه. وبعدها انتقل إلى الرياض حيث التحق بمعهد الرياض العلمي عام 1372ه، وكانت مرحلة النبوغ الشعري وبروز الموهبة، حيث كتب خلالها عدداً من القصائد، منها قصيدته في حفل افتتاح المطابع في الرياض عام 1374ه‎ ، ونال الحجي شهادته من المعهد عام 1376ه، ثم التحق بعد ذلك بكلية الشريعة في الرياض‎، كما درس أيضاً في كلية اللغة العربية.
وعاش الحجي ظروفًا صعبة، وفقد الحنان، وعانى كثيرًا من المرض مع محاولات علاجه داخل المملكة وخارجها، وصدر ديوان جُمع فيه شعره عام 1409ه بعنوان (عذاب السنين).
وعاش الشاعر حمد الحجي، بإحساس مرهف، أرهقته الآلام والمرض، كما نشرت (المجلة العربية) في عددها أغسطس 2016، سيرة حياته التي شهدت إصابته بأمراض لم يستطع التخلص منها، ما أثر سلبًا في قدرته على الإبداع، ولعل ظروفه الحياتية السيئة، إضافة إلى الحرمان والآلام التي مر بها، أدت لتدهور صحته، وانعكست على كثير من قصائد شعره.
الإبداع والمعاناة
ومن العوامل المؤثرة في شعر حمد الحجي، أن الشاعر مر بثلاث مراحل، كما يرى الباحث خالد الدخيل، الذي أعد دراسة ماجستير عن الشاعر، المرحلة الأولى ما قبل المرض، وفيها بدايته الإبداعية، ولم يكن شعره في هذه المرحلة لافتًا فنيًا، والمرحلة الثانية شهدت أعراض المرض وما أعقبه، وهي مرحلة إبداعية واضحة، حيث حمل شعره مضامين ودلالات تنبئ عن واقعه الداخلي، وقد بلغ في هذه المرحلة قمة نضوجه الفني، والثالثة تمكن المرض منه، وتوقفه عن الإبداع، ولم يكتب إلا أبياتاً قليلة جداً، بل ورفض أن ينسب إليه قول الشعر،‎ ومع تلك المراحل الثلاث، توصلنا لنتيجة مهمة، حسب رأي الباحث، وهي أن إبداع الشاعر حمد الحجي في الشعر، لم يكن بسبب المرض الذي أصابه، بل كان وليد المعاناة، وعندما تمكن منه المرض وأنهكه، توقف عن الإبداع ولم يستطع أن يكتب إلا قليلاً.
مرحلتان في حياته
وتنقسم حياة الشاعر حمد الحجي القصيرة والحزينة، إلى مرحلتين، وفق رأي د. عبدالله الحيدري، أستاذ الأدب المساعد بكلية اللغة العربية بالرياض. المرحلة الأولى امتدت 23 سنة من الولادة عام 1357ه حتى عام 1380ه، بداية معاناته مع المرض، وفيها نشأ وتعلم وظهرت موهبته الشعرية، ولفت انتباه مدرسيه وزملائه والوسط الثقافي عامة، وتوقع الجميع مستقبلاً زاهراً ينتظر هذا الشاعر، في دائرة الأدب والشعر،‎ والمرحلة الثانية من عام 1380ه وحتى وفاته عام 1409ه، وشهدت ثلاثين عاماً من الآلام الشديدة، والعذاب المتواصل بسبب المرض الذي أصيب به، ما نتج عنه توقف شاعريته وإنتاجه، وانصرف إلى داخل نفسه يتأملها، متنقلاً بين المستشفيات في الداخل والخارج.
وعاش الحجي في تلك المرحلة، كما يرى د. الحيدري، رحلة مع العذاب والآلام، وتوقف إبداعه وسكت صوته الشعري، وتجول بين لبنان والكويت، ثم في المملكة بين الطائف والرياض، وتعاطفت معه الدولة ممثلة في الملك فهد رحمه الله، والملك سلمان أمير الرياض آنذاك، حفظه الله، وأُهدي له منزل مؤثث في الطائف، وحين علم الشاعر بهذه المكرمة سُرَّ بها سروراً عظيماً‎.‎
أبيات من قصيدة "في زمرة السعداء"
أأبقى على مر الجديدين في جوى ويسعد أقوام وهم نظرائي؟
ألست أخاهم قد فطرنا سوية فكيف أتاني في الحياة شقائي؟
أرى خلقهم مثلي وخلقي مثلهم وما قصرت بي همتي وذكائي‎
يسيرون في درب الحياة ضواحكا على حين دمعي ابتل منه ردائي
أكان لساني إن نطقت ملعثما وكانوا إذا ناجوا من الفصحاء؟
وهل كنت إما أشكل الأمر عاجزا وكانوا لدى الجلى من الحكماء؟
ولست فقيرا أحسب المال مسعدا وليسوا إذا فتشتهم بثراء
وهل لهمو جود بما في أكفهم وإني مدى عمري من البخلاء ؟
وهل أصبحوا في حين أمسيت مانعا يجودون بالنعمى على الفقراء؟
وهل كلهم أصحاب فضل ومنة وكنت أنا المفضول في الفضلاء؟
وهل ضربوا في الأرض شرقا ومغربا وكنت مللت اليوم طول ثوائي؟
وهل كلهم أوفوا بكل عهودهم ومن بينهم قد غاض ماء وفائي؟
بلى أخذوا يستبشرون بعيشهم سواي فقد عاينت قرب بلائي
لقد نظروا في الكون نظرة عابر يمر على الأشياء دون عناء
وأصبحت في هذي الحياة مفكرا فجانبت فيها لذتي وهنائي
ومن يطل التفكير يوما بما أرى من الناس لم يرتح ونال جزائي
ومن يمش فوق الأرض جذلان بشاشته يمرر بكل رواء
تغني على الدوح الوريق حمامة فيحسبه المحزون لحن بكاء
وتبكي على الغصن الرطيب يظنها حليف الهنا تشجي الورى بغناء
ألا إنما بشر الحياة تفاؤل تفاءل تعش في زمرة السعداء‎!!‎
الأدباء يلفتون إلى معاناته
وتحدث عدد من الأدباء عن معاناة الحجي وعملوا على نقلها إلى الناس، فهذا مقال لراشد بن فهد الراشد "هل نفعل شيئاً من أجله؟" المنشور في عام 1385ه، وكلمات سعد البواردي في مقدمة كتاب "ثرثرة الصباح" المطبوع عام 1393ه "إلى الصديق الشاعر حمد الحجي، إليه تحية ود مقرونة بآمال الصحة والعطاء"، وأخرى على الغلاف الأخير من نفس الكتاب "لصالح الشاعر (حمد الحجي) ريال من كل نسخة تباع من هذا الكتاب، مساهمة متواضعة من المؤلف لرفيق فكره، يجتاز مرحلة صعبة في حياته".
شاعر الآلام
وقام خالد الدخيّل، بطباعة رسالة الماجستير التي أعدها عن حمد الحجي، لاحقاً في كتاب عام 1427ه، باسم "حمد الحجي.. شاعر الآلام". وتناول الباحث في الرسالة، وبعدها الكتاب، الحالة النفسية لحمد الحجي بشكل دقيق مع تحليل فني للقصائد، وضمن الكتاب فصلاً لأهم القصائد التي استشهد من أبياتها في دراسته، وقدم د. محمد آل حسين للكتاب.
ولعل قصيدة "يا عيد" التي قالها وهو بعيد عن الوطن، مغترباً ينشد العلاج في بلاد الشام تمثل إحدى روائعه ومنها‎:‎
يا عيد وافيت فالأشجان مرخية.. سدولها ونعيم الروح مفقود
لا الأهل عندي ولا الأحباب جيرتهم.. حولي فقلبي رهين الشوق مفؤود
العين ترنو وطول البين فاجعها.. حسرى وإنسانها بالأفق معقود
تجري دموعي دماءً في محاجرها.. على وسادي لها صبغ وتسهيد
أمسي وأصبح والأحزان تحدق بي.. لا الروض يجدي ولا القيثار والعود
أروي اشتياقي وأني نوىً وجوىً.. وأنني بقيود الهم مصفودُ
يا فرحة القلب والآلام تعصره.. لو أنه بلقاء الأهل موعود
يا ساكني نجد إنا بعد بينكم.. كأنما قد شوى الأضلاع سفود
فادعوا بحق الهوى أن نلتقي بكمُ.. فإن أيامنا من بعدكم سود
يا ليتكم تبصرون الصب عن كثبٍ.. حتى يبين الذي يلقاه معمود
إذا ذكرتكم أمسيت مرتعشاً.. كأنني في مهب الريح أملود
أنا المتيم والأحداث شاهدةٌ.. من الهموم علت وجهي التجاعيد
إني غلام ولكن حالتي عجبٌ.. أُرى كأنيَ في السبعين مولود
لم أشرب الكأس والأشواق تشربني.. ولم أغرد ومن حولي الأغاريد
نعم شربت كؤوس الهم مترعة.. حتى كأني من الأوصاب عربيد
كأنني شبح في الليل منتصب.. أرعى النجوم وحلم الليل موؤود
الغيد حولي زرافاتٍ أطالعها.. لكنما عنكمُ لم تسلن الغيد
لما أتى العيد أبكاني وهيجني.. فليتني بعدكم ما مر بي عيد
ذكرتكم وسخين الدمع منهمر.. لما تعالت بدنياي الزغاريد
عيد الغريب سقام وانبعاث أسى.. ودمعه إن شدى الشادون تغريد
من فرسان الشعر
وأكد (عبدالله) شقيق الشاعر حمد الحجي، في حديثه لجريدة "الرياض" عام 2006، أن الحجي فارس من فرسان الشعر الشباب بالجزيرة العربية في وقته، وأن السنين تكاد تُنسي الناس ذكراه الجميلة، لولا ما خلفه من قصائد شعرية جميلة، على حداثة سنه، حين نظمها، ولكن المرض أصابه في ريعان الشباب، ولم يمهله لكي يمتعنا بالمزيد منه، وهذه مشيئة الله، ولا راد لقضائه.
وأضاف أن د. محمد آل حسين ود. محمد الشدي يعود الفضل لله أولاً ثم لهما في حفظ عدد من قصائده التي جمعاها في ديوانين، فجمع الأول أعمال حمد الحجي في (ديوان حمد الحجي) فيما أصدر الثاني (ديوان عذاب السنين)، مصححاً أن اسم الديوان هو "غبار السنين"، كما سماه الشاعر في قصيدة بنفسه‎
ورثا (عبدالله) شقيقه حمد بقصيدة منها:
كسوت كميتاً بالدموع الجواريا‎
لذكرى حبيب في المقابر ثاويا
أخٌ كان والله آخره آخرتي‎
كريماً أبياً باذلاً لا يباليا‎
اهتمام محمد آل حسين بشعره
إضافة إلى إصدار (ديوان حمد الحجي)، اهتم الناقد د. محمد آل حسين بشعر الحجي في وقت مبكر، وخصه بالمحاضرة الثالثة من كتابه "الأدب الحديث في نجد" الصادر عام 1391ه، ثم شارك في مؤتمر النقد العربي الأول في جامعة اليرموك بالأردن عام 1400ه ببحث عنوانه "حياة حمد الحجي وشعره"، كما نشر عنه كتاباً مستقلاً في عام 1407ه، عنوانه "الشاعر حمد الحجي"، ونشر عنه خمس مقالات أخرى في سنوات متقاربة‎ ووصفه في كتابه المشار إليه، بقوله "حديثنا هذا عن شاعر لم أر له نظيراً في شعراء العربية، سوى طرفة بن العبد، على رغم الفوارق البيئية، والزمنية والاجتماعية بين الشاعرين".
أعماله
خلال حياته الأدبية تواصل حمد الحجي بالصحافة المحلية، وخاصة مجلة "اليمامة"، التي نشر فيها تسع قصائد وثلاث مقالات، بين عامي 1376 و1379ه، إلا أن المرض أصابه، قبل أن يجمع قصائده الشعرية في ديوان، ومن المصادفة أن عام 1409ه، الذي شهد صدور ديوانه على يد محمد الشدي، بعنوان "عذاب السنين"، هو نفسه عام وفاته، بعد أن جمع الشدي القصائد من الصحف والمجلات والأصدقاء، وإضافة إلى الكتابة في الصحف والمجلات، كان حمد الحجي مشاركاً فاعلاً في النشاط الأدبي والثقافي في الكلية، ولهذا عرفه الوسط الثقافي بقوة.
وكُتب عن حياة حمد الحجي وشعره، مقالات وقصائد وبحوث عديدة، وله 5 حوارات صحفية، بين عامي 1392ه، و1408ه، كما تحدثت كتب أخرى عنه وعن شعره منها "شعراء من الجزيرة العربية"، و"شعراء من أرض عبقر"، و"التجربة الشعرية الحديثة في المملكة العربية السعودية"، و"حركات التجديد في الشعر السعودي المعاصر"،‎ و‎معجم الكُتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية"، كما ترجم له عبدالله بن إدريس، وأورد نماذج من أشعاره في كتابه الشهير "شعراء نجد المعاصرون"، ولم يكن الحجي وقتها قد تجاوز ثلاثة وعشرين عاماً.
عاش بائسًا
وذكر الأديب والباحث د. حمد الزيد، أنه عرف الشاعر معرفة خاصة، حيث إن كلاهما من مواليد "مرات"، وشهد جانباً من طفولة ونشأة حمد الحجي، كما التقاه في الطائف عندما زاره في المستشفى، وقال إنه غالب الدمع، وحزن بشدة عندما رأى معاناة الحجي، والتي تجاوزت معاناة أمثاله من الشعراء، الذين رحلوا صغاراً إما بالمرض أو بالموت، وغاب الحجي عن الزيد، وقت أن اشتهر في الرياض، وكان ينشر في صحف الرياض أثناء دراسته في كلية اللغة العربية هناك، ويضيف الزيد أن الحجي عاش بائساً أعزبًا، ومات مريضاً، ودفن في بلدته التي أحبها وتفتحت فيها مواهبه الشعرية، إلا أنها لم يُقَدر لها الاستمرار والعطاء، ولكن ما خلفه من الشعر الجميل في زمن قصير، يكفي لإبقاء اسمه محفوراً في ذاكرة محبيه.
وبعد وفاة الأم لم تكن هناك أسرة لدى الحجي تحتضن وتفتح عبقرية شعرية وموهبة عظيمة، مثل الحجي، حسب رأي الزيد، فقد كان الوالد فقط هو الأسرة، وكان شاعرًا أيضاً، ولم يكن الفقر السبب الأساسي في تعاسة الشاعر، الذي كان حديث القرية في ذكائه ونجابته وتفوقه.
أبيات من قصيدته المشهورة "أيا باعث الشكوى":
أيا باعث الشكوى بنفسي ألم يحن
لقاء لكيلا تستبد بي الشكوى؟!
بكيت ولو أني على الصبر قادر
كتمت ولكني على الصبر لا أقوى؟
لقد ذقت منك الحب مراً مذاقه
وإني لأرجو أن تصيّره حلوا!
ألست إذا ما عنّ أمر لخاطري
أتيت الذي تهوى وجانبت ما أهوى؟
فلو أن جسماً قد تقطع الجوى
لما أبقت الأشواق مني ولا عضوا!
إنكاره لقرض الشعر
وفي حوار للشاعر حمد الحجي في "مرات"، أجراه عبدالعزيز الموسى لجريدة الجزيرة عام 1393ه بعد أن أصابه المرض، استقبله الحجي، وأخبره أنه في حالة جيدة وصحته في تقدم مستمر، فتغيرت الصورة لدى الموسى الذي ظن أن الحجي لن يحدثهم، وسينفر منهم، وسألهم الحجي عن الرياض والأصحاب، كما أخبرهم أنه ينوي استئناف دراسته، التي توقفت عند السنة الثالثة في كلية اللغة العربية بالرياض، وأشار إلى أنه سيتعب كثيراً في العودة لأن معلوماته قديمة، وقد نسيها، وأنه إذا لم يعد للدراسة، فسيبحث عن عمل مناسب، وسأل عبدالعزيز الموسى الحجي عن الشعر، فأنكر الحجي أنه يجيده أو يقرضه، فتناول الموسى كتاباً كان أمامه، كُتب عليه بيتان من عيون الشعر، وقال للحجي "يا حمد، من قائل هذه الأبيات؟"، فرد "لا أعرفه"، وبعد إلحاح، قال: "لقد وجدتها مكتوبة على أحد جدران البلدة فاستهواني حفظها"، وهنا أخذ الحجي يسرد الأبيات مع تكملة لها، والأبيات (والتي قيل إنها لغيره) هي:‎
رمتني يد الأقدار عن قوس كفها فلا العيش يصفو لي ولا الموت يقرب
كأني عصفور لطفل يهينه يقال عذاب الموت والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل فيرثى لحاله ولا الطير مبسوط الجناح فيهرب
ومنها البيت الذي وصف بأنه أفضل الأبيات في الغزل في الأدب السعودي الحديث:
لو كان لي قلبان عشت بواحدٍ وتركت قلباً في هواك يعذب
صديقه المذياع
وحاول محمد الشدي، الذي رافق الموسى في الرحلة، التعرف على المقصود بهذه الأبيات من الحجي، فشرح لهما معناها شرحاً أثبت بشكل مؤكد أنه هو قائلها رغم إنكاره لذلك، وقال الحجي إنه يقضي معظم وقته مع "الراديو"، فهو صديقه العزيز، حيث يسمع القرآن الكريم وبعض البرامج الترفيهية من إذاعة الرياض والكويت، ويذهب ليلاً لبعض الأصحاب، إلا أنه يكره السهر وينام مبكرًا. وقال الحجي: إنه يجب قراءة الصحف والمجلات، ولكنها قليلة في بلدته، وأنه يقرأ ما يقع في يده، كما ذكر أنه سابقا على وقت حمد الجاسر كان يكتب في "اليمامة"، وأنه يعرف الجاسر والبواردي، وذكر بعض الأسماء القديمة في الصحافة، وقال إنه لا يعرف الكثيرين ممن حوله، وأنه غير مستريح بسبب ذلك.
رحلته إلى القاهرة
وعن ذهابه إلى القاهرة للاستشفاء والعلاج لم يتذكر أي شيء، سوى النيل والصحفي شاكر عبدالعزيز، لكن محمد الشدي ذكر أن الحجي كان يستريح في جلسات على النيل، ويتحفهم بكل ما يذكر من أشعاره، ولكنه سرعان ما يعود إلى الفندق ويلح في العودة إلى بلده، وكان هذا مطلبه منذ أن وصلوا إلى القاهرة، يقول "أريد العودة إلى مرات"،‎ وودع حمد الحجي ضيفيه، وسار معهما إلى السيارة البعيدة عن المنزل، ووعدهما بزيارة الرياض، ورفع يده مودعاً.
وتنقل حمد الحجي طلباً للعلاج في أكثر من مكان، خارجياً وداخلياً، وبقي للعلاج مدة من الزمن في المستشفى، ومع مراجعاته العديدة وتردده على المستشفى، أحب الطائف وامتدحها في شعره، ومن ذلك قوله من قصيدة طويلة:
الحسنُ في الطائفِ أَلوانُه كثيرة في عين من ينظرُ
لكنما الحسن الذي شَاقَنِي وباتَ عَقْلِي منهُ لا يبصرُ
مجسم في غادةٍ حلوةٍ تمشي الهوينى طرفها يسحرُ
كالغصن تهتز إذا مَا مَشَتْ تكاد من تيه الصِبا تَعثْرُ
منديلها الأخضر في كَفِها يا حبذا منديلها الأَخْضرُ
الدرر والجوهر في نحرِها يا ليتني الدر أو الجوهرُ
ومن شعره في وصف الوطن وحبه وخدمته له، يقول في قصيدة بعنوان "وطني":
وطني فديتك أي مغنى فتنة تزداد جدتها على الأيام؟
أي المرابع فيك لم تهتف به ورقاء ذات تفجع وهيام
غنت على الفنن الوريف ظلاله فروت مفاخر شادها أقوامي
السحر فيك أراه يا وطن الهوى والمجد والتاريخ والإلهام
والزهر فوق رباك يأسر ناظري والنخل ينفث أطيب الأنسام
يا نجد عندي لست غير خميلة من أرز لبنان وحور الشام
وتتنوع قصائد الشاعر حمد الحجي إلى مناجاة الخالق والتغني بالوطن ووصف الطبيعة، في نجد ولبنان والطائف، بالإضافة إلى قصائد غزلية، كما قال الزيد، وأخرى في مناسبات مختلفة كجامعة الرياض، وزيارة الشيخ محمد مخلوف مفتي مصر سابقاً لكليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض. ووجهت قصائده دعوات للشباب للتسلح بالعلم، وتفاعل مع الأحداث السياسية العربية، فقال شعراً في ثورة الجزائر ونضالها ضد الفرنسيين.
وفاته
منذ إصابته بالمرض، دارت حياة حمد الحجي بين الأطباء والمصحات، وبرغم محاولات جادة من المخلصين لعلاجه، وسفره عدة مرات للعلاج في بيروت والكويت ثم لندن وأخيراً إلى القاهرة، حيث ظل يتلقى العلاج، إلا أنه لم يطرأ إلا تحسن طفيف على حالته الصحية، وبقي كذلك حتى توفي عام 1409ه (1989م)، بمرض أصاب الرئة وزحف على القلب، ودُفن في مسقط رأسه "مرات"، رحمه الله رحمة واسعة.
التحق الحجي بالمعهد العلمي في الرياض عام 1372ه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.