فجعنا ظهر يوم الاثنين الماضي التاسع والعشرين من شهر ربيع الثاني برحيل الصديق العزيز رجل الأعمال الناجح المغفور له بإذن الله صالح بن محمد الحمادي، ولا نملك أن نقول إلا مايرضي ربنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد هزني خبر وفاته المحزن إذ كنت قبل أيام قليلة قد استبشرت خيرا حين ذكر لي ابنه محمد أنه سيغادر المستشفى إلى المنزل قريبا، ولم أكن أعلم أنه سيغادر الدنيا بأسرها لا المستشفى فحسب، لكن لملاقاة رب رحيم. لقد عرفت الراحل منذ عقود طويلة، وكانت لنا لقاءات عديدة في بداية طريقه لإنشاء الصروح الطبية المعروفة باسم مستشفى الحمادي، حيث كان يراجع وزارة المالية للحصول على قرض تمويلي لإنشاء أول مستشفى أسسه في حي العليا، إذ كانت الدولة أعزها الله تمنح قروضا للمساعدة في إنشاء المستشفيات، وظل رحمه الله في عمل دؤوب خلال العقود الماضية حتى أنشأ مستشفيين كبيرين، أحدهما في حي النزهة والآخر في حي عتيقة لتقديم أرقى الخدمات الطبية لشريحة واسعة من المواطنين والمقيمين، كما بدأ في إنشاء مستشفى رابع لم يكتمل بعد. لقد كان غفر الله له مواطنا صالحا، وابنا بارا بوطنه، مغرما بعمله، شغوفا بتطويره حتى في أحلك ظروفه الصحية، لقد حصل وترافقنا في بعض الأسفار، وكنت أراه كل صباح ينهض باكرا ليتابع كافة تفاصيل مستشفياته وأعماله الأخرى بنفسه عن بعد، فلم يكن يركن للراحة حتى في إجازاته، وعلى الرغم من معاناته مع بعض المشاكل الصحية في السنوات الأخيرة إلا أنها لم تكن تعيقه عن الإشراف على شؤون عمله، يتناول أدويته وهو يراجع تقريرا أو يرسل بريدا أو يجري مكالمة، ويتحامل على آلامه ليبقى على تواصل مع الجميع صغارا وكبارا. ومع كل هذه المشاغل والمشاكل كان رجلا اجتماعيا دمث الخلق لطيف المعشر، لا تراه إلا هاشّا باشّا كريما، يبتهج بضيوفه ويرحب بهم أيما ترحيب، ويتهلل لكل من يتصل به أو يزوره ويشعره أنه متفرغ له وحده، فهو شخصية عنوانها الكرم، الكرم في المال، وفي الأخلاق والاهتمام، فضلاعن العطف على المحتاجين، يبذل المال والعلاج دائما دون أن يعرف معظم المقربين إليه شيئا عن ذلك. ومما أعرفه عنه أنه ظل رحمه الله وحيدا بعد فقده لشريكة حياته قبل سنوات، مكرسا نفسه لأسرته وعمله وخدمة مجتمعه،إذ كان حتى وفاته يرأس مجلس إدارة شركتي الحمادي القابضة وعزيز للمقاولات، وكله حرص على أن يقدم لوطنه خدمات مميزة تليق بطموحاته العالية. لاشك أننا جميعا على الدرب سائرون، وإلى ربنا عائدون، ولكن تبقى سيرة الإنسان وأعماله بعد رحيله هي مايميز رحلته في هذه الحياة الفانية ويحيي ذكره، ويقيني أن أعمال الراحل وأبناءه من بعده ستبقى بإذن الله شاهدا له وثقلا في موازين حسناته. نسأل الله له رحمة واسعة وغفرانا وتجاوزا، ولأهله وذويه ومحبيه والعاملين في شركاته الذين فجعوا فيه الصبر والسلوان، وله الحمد على قضائه دوما.