إذا تحدثت لصديقك وعبّرت عن رغبتك له بالخروج لمشاهدة فيلم في السينما أو تناول الغداء معاً، فيجيبك (ما يمديني.. والله مشغول مرة) وإذا طلبت الزوجة من زوجها مرافقتها لزيارة أهلها وأقاربها قال لها (مشغول مرة.. ما أقدر). وإذا عاتبت قريبك على القطيعة تعذر قائلاً (يا ابن الحلال.. والله مشغول مو فاضي)، وترى السيارات تتقاتل فيما بينها إذ يريد السائقون أن يسبقوا بعضهم ويكونوا في مقدمة السير يصيحون قائلين (يالله خلصنا يا رجل.. ورائي مشاوير). إذا تأملت من حولك تجد أن أغلبية المجتمع جدوله مليء بالمشاغل اليومية بدءًا بالدوام اليومي، ومن ثم اصطحاب أبنائه من المدرسة، أو مراجعة الطبيب في المستشفى، وشراء المستلزمات المدرسية، أو إنهاء معاملة حكومية. ولتفادي زحمة الشوارع يجلس في مطعم لتناول الشاورما والبيبسي ويتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لإشغال نفسه بتصفح أخبار العالم والمشاهير. لقد أصبحت جداولنا اليومية غير منظمة وغير ثابتة، محشوة بمشاغل تفاجئك على نهاية اليوم، والأهم من ذلك أنها لا تتكتل بأي نوع من الهويات التي تجعلك تكسب مهارة جديدة لا تتقنها سابقاً بسبب أنها تنصب حول مشكلة (أنا مشغول) التي حولت حياتنا إلى أيام قاتمة ومملة. فعندما نذهب إلى إصلاح نظارتنا نكتشف الفني المسؤول في المحل غير موجود وأن أوقات عمله تبدأ عند الساعة الخامسة مساء، فتضطر إلى الانتظار حتى يحين موعد عمله. أو يذهب إلى المطعم وهو في قمة الجوع ومن سوء حظه يجد المطعم مغلقاً، حياتنا تحولت إلى أسطوانة مكسورة ضائعة وتائهة تبحث من ينقذها من حفرة الأشغال غير المنتهية. بينما في بلدان غربية يبدأ المرء بممارسة تمارين الصباح في الحدائق العامة ومن ثم تناول القهوة وشراء الصحيفة اليومية، وبعد ذلك يمر ليشتري المواد الغذائية اللازمة للتحضير لوجبة العشاء، وثم يقوم بمراجعة البنك. بينما نحن نستهلك كميات هائلة من الخبز والأرز واللحم ونقوم بتخزينها لمدة شهر مقطوعين عن شبكة العلاقات التي تحيط بنا، ومسؤوليات لا نعرف كيف نحدد الأولوية منها بل إننا نجد أن السيارة خربانة والرضيع لا يتوقف عن البكاء طوال الليل، ونقطع علاقتنا عن محيطنا الاجتماعي ولا نقوم باستغلال أوقاتنا بهواية مفيدة، وعندما تصادف أحد الأصدقاء في أحد المناسبات وتسأله (من زمان عنك.. وينك مختفي) ويقول لك (والله أني مشغول دائماً.. حتى ما عندي وقت أجلس فيه مع أهلي) عجيب!