أتصور أنه من الضروري إعادة النظر في أطلس لهجات شبه الجزيرة، المعلق منذ 15 عاماً، واستحداث معاهد جديدة للعربية، ودورات لتدريس اللهجة السعودية للأجانب، ولأغراض المحادثة وحدها، على أن تقوم وزارة الثقافة بالإشراف عليها وتمويلها بمشاركة القطاع الخاص.. في الخامس من نوفمبر الجاري، وخلال حواره مع برنامج الراصد في قناة الإخبارية السعودية تكلم الدكتور فالح العجمي، أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود، عن أكثر اللهجات المحلية رقياً في المملكة، وقال إنها محصورة في لهجة مدينتي الرياضوجدة، لأن السياسة بأحمالها الكاملة موجودة في الأولى، والتجار الكبار وحركة الاقتصاد الأنشط حاضرة في الثانية، بالإضافة إلى أنها بوابة الحجاج إلى مكة، وفي رأيي، أن ما يمكن تسميته باللهجة السعودية البيضاء، هو خليط بين اللهجتين السابقتين، مع تأثر أكثر باللسان النجدي، على اعتبار أنه يمثل لهجة العائلة السعودية المالكة، تماما كما هو الحال فيما يسمونه بلغة الملك أو الملكة في بريطانيا، والذي يمثل الإنجليزية الكلاسيكية، ولغة التعليم البريطاني الرسمية في المدارس والجامعات، فاللهجات المحلية في ويلز وأسكتلندا وإنجلترا وإيرلندا تختلف عن بعضها، واللهجة البيضاء المفهومة بين سكانها محصورة في لغة الملكية البريطانية، ما يعني أن المشترك بين السعوديين والبريطانيين يظهره انحيازهم إلى فخامة اللغة في الجانبين. حتى لهجات الدول العربية لا تبتعد كثيراً، ومن الأمثلة، اللهجة العراقية ومزاوجتها اللغة العربية بالآرامية والفارسية، واللهجة المصرية ومزجها القبطية بالعربية، واللهجة الشامية المراوحة بين السريانية والعربية، ولهجة دول المغرب العربي، الخليط بين العربية والأمازيغية، وكلها تأثرت من الناحية الثقافية واللغوية بفترة الاستعمار، وفي مسلسل صراع العروش، المأخوذ من رواية حملت ذات العنوان للروائي جورج مارتن، وصدرت في 1995، قام خبير اللغويات ديفيد بيترسون، باختراع لغتين لقوميتين في المسلسل، ووضع لهما قواعد وأبجدية، وهما متوفرتان للتعلم على الإنترنت، بالإضافة إلى لغة الاسبرانتو، التي ابتكرها العالم البولندي لوديك زامنهوف في 1887، وكان الغرض من ورائها توحيد أوروبا على لسان واحد، وعلى لغة بسيطة يسهل تعلمها واستخدامها، وقد عارضها هتلر وستالين، ووصل عدد المتحدثين بها إلى أكثر من مليوني شخص، والأعجب أن الروائي الإنجليزي جون تولكين صاحب ثلاثية سيد الخواتم، كان يخترع اللغات في وقت فراغه، ومن ثم يصنع شخصيات في رواياته تدير حوارتها باللغات التي ألفها. بعض اللغويين لديهم وجهة نظر تحترم في مسألة تعلم اللغة، ويعتقدون أن الفصحى لازمة للتعليم العام والجامعي وللأغراض الأكاديمية إجمالاً، إلا أنها لا تناسب من يرغبون في تعلمها من الأجانب، وبأسلوب يمكنهم من إقامة حوارات لفظية منتجة، ويساعدهم على الاندماج في المجتمع السعودي، ويرون أن اللهجة فاعلة في هذا الجانب، وتساعد في بناء الثقة والارتياح، وتحديدا بين المختلفين في مرجعياتهم الثقافية واللغوية، وسبق أن قامت شركة البحر الأحمر السعودية بتدريس اللهجة المحلية البيضاء لكبار الموظفين الأجانب فيها، وبما يمكنهم من استخدامها في حياتهم اليومية، وقد حققت الفكرة نجاحا باهرا، وتوجد تجارب مشابهة في مصر والأردن والمغرب والإمارات، أجد أنها مفيدة في الخروج بتجربة ناضجة على المستوى المحلي. في المعاهد والجامعات الأميركية والبريطانية، يستثمر تعليم اللغة الإنجليزية في أمور حيوية، كالتسويق لأفكارها الثقافية والسياسية، وهذا يتفق ورؤية روبرت فيليبس، في كتاب (الإمبريالية اللغوية) واعتباره أن تعلم الإنجليزية عمل استعماري بأدوات لغوية، بينما لا يحدث هذا في المملكة، ومن الشواهد، أن معاهد اللغة العربية في الجامعات السعودية لا يتجاوز عددها ستة معاهد، علاوة على ثلاثة معاهد تجارية، رغم أن الجاليات الأجنبية الموجودة في الأراضي السعودية أعدادها مليونية، ولديها الرغبة في تعلم العربية، وبالأخص اللهجة السعودية البيضاء، وعلى حسابها الخاص، وأشارت الجمعية الأميركية للغات أنه خلال عامي 2002 و2009، زاد الإقبال على تعلم اللغة العربية بنسبة 123%. السعوديون يتكلمون قرابة 60 لهجة أساسية، معظمها مأخوذ من العربية الفصيحة، وهذه اللهجات يمكن تمييزها، ومن أبرزها لهجة نجد والحجاز والشمال وعسير، ومعها اللهجة الحساوية والقصيمية والجازانية واليامية، وتمارس الجغرافيا سطوتها في صياغة هذه اللهجات، التي تتأثر بالساحل والجبل والصحراء والوادي، وكذلك بالموروث المناطقي والقبلي، وأتفق مع الدكتور العجمي في قدم لهجتي أهل فيفا وبني مالك، وأزيد بأنهما سابقتان على اللغة العربية نفسها، استنادا إلى أن عمرهما يتجاوز 2500 عام، والعربية يزيد عمرها قليلا على 1500 عام، وبفارق 1000 عام أو عشرة قرون، ولصعوبة اللهجة الفيفاوية فقد استخدمتها العسكرية السعودية كشفرة في فترة مضت، وهناك نجاحات مسجلة باسمها. أتصور أنه من الضروري إعادة النظر في أطلس لهجات شبه الجزيرة، المعلق منذ 15 عاماً، واستحداث معاهد جديدة للعربية، ودورات لتدريس اللهجة السعودية للأجانب، ولأغراض المحادثة وحدها، على أن تقوم وزارة الثقافة بالإشراف عليها وتمويلها بمشاركة القطاع الخاص، مع إخراج وزارة التعليم وجامعاتها من هذه الدائرة التي تواضعت نتائجها فيها، باستثناء الاستعانة بالكوادر التعليمية المؤهلة، لأنه عمل وطني وثقافي بالدرجة الأولى، ولا بأس من تفخيم الوظائف باستخدام اللهجة الهجين، كإحلال (باريستا) محل (قهوجي) فالتلاقح الثقافي مطلوب.