أن يستمر برنامج إذاعي يومي لثماني سنوات متواصلة، لهو أكبر دليل على نجاحه وحاجة الناس للاستماع إليه. سنوات والصينيون يستمعون لمعاناة النساء من خلال البرنامج الإذاعي الشهير «كلمات على نسيم الليل» للإعلامية الصينية شيزان التي أصبحت من أشهر الشخصيات وأكثرهن قربًا للنساء اللواتي عشن معاناة أمور لا يمكن تخيلها، كل ذلك أثناء «الثورة الثقافية» في الصين. ما بين عامي 1966 – 1976 تقريبًا. البرنامج بدأ بثه بعد موت «ماوتسي تونغ» والذي ماتت معه الثورة الثقافية التي خلّفت دمارًا كبيرًا في الأرواح والبيوت والعائلات الصينية التي هُجّرت وقتل أبناؤها واغتصب نساؤها وتشتت في عدة نواحي عقابًا على أمور لم يفعلوها. كانت تقرأ رسائل المستمعات وتعرضها ويتم مناقشتها خلال الحلقة، وفي كل يوم يستقبل بريد «شيزان» عددًا كبيرًا من الرسائل المكتوبة ومن ثم صار البرنامج يستقبل اتصالات هاتفية مباشرة، على الرغم من خطورة هذه الخطوة في الصين، حيث إن الرقابة عالية وشديدة، وقد تطال كل من له علاقة بالبرنامج سواء بخصومات أو إبعاد عن العمل أو أسوأ من ذلك أيضاً. بعد كل هذا النجاح للبرنامج المحلي تقرر «شيزان» الاستقالة والسفر والاستقرار في بريطانيا، حينها تتبلور في ذهنها تحويل كل هذه القصص المأساوية لكتاب ونشره للعالم أجمع. لمعت الفكرة حين التقت بسائح بريطاني عائد من الصين بعد زيارته السابعة لها، سألته شيزان (ماذا تعرف عن وضع النساء في الصين، فأجاب: إن الصين بدت له كمجتمع متساوٍ جداً؛ حيثما ذهب كان يرى الرجال والنساء يقومون بالعمل نفسه). واقترحت عليها إحدى زميلاتها في لندن (أن تصر على كتابة القصص، وقالت: إن معظم الكتب التي كُتبت حتى اليوم تناولت عائلات صينية معينة، أما هذه القصص فستعطي منظورًا أوسع نطاقًا). ربما يذكرنا حديثها هذا برواية «بجعات برية» التي تناولت ثلاثة أجيال من الإناث في الصين، وكن من عائلة واحدة، فالرواية تتضمن السيرة الذاتية لكاتبة ووالدتها وجدتها. أما هذا الكتاب الذي بين أيدينا فيتناول قصص عدد من النساء الصينيات في مناطق ومقاطعات مختلفة، كانت تسافر لهن شيزان حتى تستمع لقصصهن، وتقابلهن في المستشفى، أو السجون أو حتى في أماكن اخترن أن يعزلن أنفسهن فيها كغرفة في فندق مثلاً. تعرض شيزان نحو 14 قصة مختلفة، بعضها يُعرض لأول مرة، لأنه كان من المحظور مناقشتها بسبب سياسة الحزب الشيوعي، قصص لفتيات ونسوة عانين الظلم والقهر والترحيل والتزويج بالإجبار والاغتصاب، والتعذيب والألم والجوع، وكل ما يخطر على بالك من صور العذاب الجسدي والنفسي. قصص يصعب تصديقها بعض الأحيان. وكأنها من وحي الخيال. تترك في نفسك أثرًا عميقًا، وكانت شيزان تستمتع بكل هدوء وتعاطف يسمح لمن تقابلها بالبوح عن كل ما كانت تعانيه. كما ذكرت شيزان جزءًا من حياتها الشخصية ومعاناتها في طفولتها؛ «عندما كنت طفلة فُصلت عن أبي وأمي؛ عندما كبرت لم تكن لي عائلة حقيقية، سوى ابني». وشيزان تدرك جيدًا أنها لو كانت في الصين لما كان لمثل هذا الكتاب أن يرى النور.. «في إنجلترا، أصبح تأليف هذا الكتاب ممكنًا. كأن قلمًا نما في قلبي». ولدت شيزان في بيكين عام 1958، وانتقلت للعيش في لندن عام 1997. ونشرت كتابها في بريطانيا أولاً، وترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة عالمية، كان آخرها العربية، «نساء من الصين.. قصص وأسرار» من منشورات دار الساقي. «يقول الجميع إن النساء هنّ مثل الماء، يشبّه الجميع النساء بالماء. أعتقد لأن الماء هو نبع الحياة، كما أنه يتكيّف مع محيطه، مثل النساء، يعطي الماء نفسه أينما ذهب ليغذّي الحياة».