تتجه أنظار العالم إلى العاصمة السعودية "الرياض" حيث تنعقد القمة العربية الطارئة في ظرف استثنائي لبحث أزمة العدوان الإسرائيلي على "غزة"، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أحداث 7 أكتوبر. ويعول على قمة الحادي عشر من نوفمبر التوصل لإرادة عربية موحدة تجاه العدوان، ووقف مواصلة التصعيد، وسرعة إدخال المساعدات العاجلة، ومواجهة كل التحديات السياسية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، وبحث التحرك العربي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفقا للقرارات الدولية، ومبادرة السلام العربية التي أطلقتها القيادة السعودية في قمة بيروت عام 2002م، وتبني موقف رافض لنزوح الفلسطينيين داخليا أو خارجيا إلى البلدان العربية المحيطة كمصر والأردن وهو مقترح الاحتلال ومناصريه لتصفية القضية والذي تواجهه المملكة العربية السعودية ودول عدة بالرفض القاطع، وتبقى التكهنات والاحتمالات سيدة الموقف عما ستسفر عنه الأيام القلائل القادمة في ظل العدوان المتصاعد وإمكانية توسع الجبهات أو تعددها، وعدم استجابة إسرائيل لدعوات إيقاف إطلاق النار أو التعاطي مع التحركات الدبلوماسية الأممية، وهو ما يحتم على القمة بثقلها السياسي الخروج بإرادة قوية ورسالة واضحة توطئة لتسوية القضية من جذورها لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. القمة العربية التي تحتضنها "الرياض" تأتي في سياق سلسلة طويلة من القمم العادية والطارئة لأقدم منظمة إقليمية في العالم امتدت زمنا لأكثر من 78 عاما حيث نشأت الجامعة العربية بعد الحرب العالمية الثانية وعقدت قمتها الأولى في أنشاص بمصر عام 1964م بحضور ملوك ورؤساء الدول السبع المؤسسة "السعودية ومصر والأردن واليمن والعراقولبنان وسوريا"، وشهدت مسيرة القمم العربية منذ تأسيسها انعقاد 43 قمة منها 14 استثنائية، آخرها قمة مكة المكرمة 2019م. ومن أبرز القمم التي استضافتها المملكة الخاصة بالقضية الفلسطينية هي القمة 29 العادية في أواسط أبريل 2018م بمدينة الظهران والتي أعلن فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- عن تسمية القمة ب"قمة القدس"، وقال -أيده الله- "ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين"، كما أعلن الملك المفدى عن تبرع المملكة بمبلغ "150" مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، كذلك تبرع المملكة بمبلغ "50" مليون دولار لوكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا". كما استضافت المملكة في مارس 2007م القمة 19 وأكد القادة العرب في "إعلان الرياض" الصادر في ختام القمة على خيار السلام العادل والشامل بوصفه خياراً استراتيجياً للأمة العربية وعلى المبادرة العربية للسلام التي ترسم النهج الصحيح للوصول إلى تسوية سلمية للصراع العربي - الإسرائيلي مستندة إلى مبادئ الشرعية الدولية وقراراتها ومبدأ الأرض مقابل السلام. وعبر تاريخ القمم العربية الطارئة سجلت أولاها في "أنشاص" بالإسكندرية أول مناصرة دبلوماسية عربية جماعية للقضية الفلسطينية أكدت على قضية فلسطين وعروبتها وعدتها في قلب القضايا العربية الأساسية، تلتها قمة بيروت 1956م لدعم مصر ضد العدوان الثلاثي، داعية إلى الوقوف إلى جانبها ضد هذا العدوان، والتأكيد على سيادتها لقناة السويس، أعقبها قمة القاهرة 1964م والتي أحدثت تحولا تاريخياً في مسيرة العمل العربي المشترك وعدت قيام إسرائيل خطراً يهدد الأمة العربية، إضافة إلى الدعوة إلى إنشاء قيادة موحدة لجيوش الدول العربية، وفي سبتمبر من العام ذاته عقدت القمة في الإسكندرية حيث تم الترحيب بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلة للشعب الفلسطيني، وبعد ذلك بعام التأمت قمة الدار البيضاء والتي أكدت مواصلة المساندة ودعم قضية فلسطين في جميع المحافل الدولية، أما قمة الخرطوم 1967م فشددت على أهمية وحدة الصف العربي، وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، وسعت قمة القاهرة 1970م إلى حل الخلاف العالق بين الأردن وفلسطين حقنا للدماء العربية، وظلت القضية الفلسطينية الهاجس الأكبر للقادة العرب ومحور أعمال القمة العربية العادية السادسة بالجزائر سنة 1973م، التي دعت إلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، وبعد ذلك بعام جاءت قمة الرباط والتي أكدت ضرورة الالتزام باستعادة كامل الأراضي العربية المحتلة وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بالسيادة العربية على مدينه القدس، وبدعوة من المملكة العربية السعودية عقدت في مدينة الرياض، في أكتوبر 1976م، قمة عربية مصغرة شملت 6 دول عربية، بهدف وقف نزيف الدم في لبنان وإعادة الحياة الطبيعية إليها واحترام سيادة لبنان ورفض تقسيمه، وإعادة إعماره، وهو ما تم اعتماده في قمة القاهرة، وأكدت قمة بغداد عام 1978م دعمها منظمة التحرير الفلسطينية، وضرورة موافقتها على أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وفي السنة التي تليها احتضنت تونس أعمال القمة العربية وجدد القادة العرب تأكيدهم على الالتزام الكامل بدعم القضية الفلسطينية وسيادة لبنان الكاملة على كامل أراضيه، وتواصلت أعمال القمم العربية مسيرتها، ففي نوفمبر 1980 م عقد بالعاصمة الأردنية عّمان مؤتمر القمة العربية العادية الحادية عشر، وصادقت القمة على برنامج العمل العربي المشترك لمواجهة العدو الصهيوني، كما صادقت على ميثاق العمل الاقتصادي القومي، وسعياً من المملكة إلى جانب أشقائها العرب، جاء مشروع الملك فهد للسلام في الشرق الأوسط، وأقر كمشروع للسلام العربي، خلال مؤتمر القمة العربية العادية الثانية عشر في مدينة فاس المغربية الذي عقد في نوفمبر 1981م، واجتمع قادة الدول العربية عام 1985م، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، على طاولة مؤتمر القمة العربية غير العادية مؤكدين الالتزام الكامل بميثاق التضامن العربي، وأجمعوا بعد عامين في العاصمة الأردنية عمان على إدانتهم لاحتلال إيران لأراض عراقية وتضامنهم التام مع العراق، وفي عام 1988م وفي الجزائر جاءت الدعوة إلى تقديم جميع أنواع المساندة لانتفاضة الشعب الفلسطيني، ، وفي العام التالي عقد مؤتمر القمة العربية غير العادية السابعة في الدار البيضاء بالمملكة المغربية بارك المؤتمر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وناشد دول العالم الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية وتمكينها من ممارسة سيادتها على ترابها الوطني، وبعد عامين دعمت قمة بغداد الانتفاضة الفلسطينية وأدانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين والأراضي العربية المحتلة، وإثر الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت عقد مؤتمر القمة العربي غير العادي التاسع في القاهرة 1990م، وأدان المؤتمر العدوان العراقي على دولة الكويت ورفض نتائجه وأكد سيادة الكويت واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وفي عام 1996م دعت قمة القاهرة إلى مواصلة عملية السلام كهدف وخيار استراتيجي وفق مبادئ مؤتمر مدريد وطالب المؤتمر بانضمام إسرائيل إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ،وفي عام 2000م عقد مؤتمر القمة العربية غير العادية الحادية عشر في القاهرة، واستجابة لاقتراح المملكة العربية السعودية قرر المؤتمر إنشاء صندوق باسم "انتفاضة القدس" بموارد تبلغ 200 مليون دولار أمريكي يخصص للإنفاق على عوائل وأسر شهداء الانتفاضة، وإنشاء صندوق آخر باسم "صندوق الأقصى" بموارد تبلغ 800 مليون دولار أمريكي تخصص لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية الإسلامية للقدس تسهم المملكة بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين، ومع حلول الألفية الجديدة، تضامن العرب في العاصمة الأردنية مع الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة، وظلت المملكة العربية السعودية، تعمل بخطى حثيثة دعماً للعروبة واضطلاعاً بدورها المحوري، فكانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - للسلام في الشرق الأوسط، محور أعمال القمة العربية العادية الرابعة عشر في العاصمة اللبنانيةبيروت في مارس 2002م، تلتها قمة شرم الشيخ ثم تونس فالجزائر والخرطوم التي دعمت صمود الشعب الفلسطيني. وفي عام 2008 م أكدت قمة دمشق الالتزام بمواصلة تقديم كل أشكال الدعم السياسي والمادي والمعنوي للشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العدوانية، وفي السنة التالية جاءت قمة الدوحة، ثم قمة سرت الليبية التي أكدت أن السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وفي عام 2012م التأمت قمة بغداد ثم الدوحةقطر، ثم "إعلان الكويت" الذي رفض استمرار الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على مقدساتها الإسلامية والمسيحية وتغيير وضعها الديمغرافي والجغرافي، عادين الإجراءات الإسرائيلية باطلة ولاغية، تلا ذلك إعلان شرم الشيخ عام 2015 م، فإصدار إعلان نواكشوط الذي أكد مركزية القضية الفلسطينية في العمل العربي المشترك، وجاءت أعمال القمة العربية عام 2017 م في منطقة البحر الميت بالأردن، والتي أكدت على إعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية جادة وفاعلة، وفي عام 2019م عقدت قمة بتونس التي أكدت على قوة الروابط الحضارية العريقة والتاريخ والمصير المشترك وعرى الأخوة ووحدة الثقافة والمصالح المشتركة، وفي مكة المكرمة كانت القمة الاستثنائية الثانية عشرة، لبحث التدخل الإيراني في المنطقة، إثر الهجوم الذي استهدف سفناً تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهجوم الحوثيين على محطتي ضخ نفطيتين بالسعودية، وفي سنة 2022م انطلقت قمة الجزائر وتصدرت القضية الفلسطينية جدول الأعمال القمة التي كررت التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية جمعاء، إضافة إلى تمسك العرب بالسلام كخيار استراتيجي.