أصبح التسلل إلى الرأي العام والتلاعب به ذخيرة في ميادين الصراع، عدا عن ذلك استغلال قيم التعايش والتسامح والتسامي وحرية التعبير لمصالح وأجندات خارجية مشبوهة لتمارس فسادها، ونشر أيديولوجياتها وخطاباتها المشبوهة والمعادية داخل مجتمعات ودول مضيفة لها وتسيء للدولة ومجتمعها.. تتصرف الدول بناءً على مصالحها الوطنية واعتباراتها الإستراتيجية، وهي غالباً ما تكون اعتبارات معقدة لا يفهمها غير المعنيين، وتمثل المصالح طويلة الأمد مثل الاستقرار الإقليمي وحل النزاعات أهدافاً مشتركة تعتمد على نقاط الالتقاء والتعاون والفهم المشترك. رسخت المملكة العربية السعودية ثقافة التسامح وتعزيز قيمه ونبذ صور وملامح التطرف والكراهية والعنف، إيماناً منها بأن التسامح بين الناس أساس التعايش، ومنهج حياة، ومن المبادئ الجامعة بين الأفراد، وبناء الحضارات، وتنظر للقيم الإسلامية كنهج لتعزيز الأمن والاستقرار والتسامح بين كل المجتمعات الإنسانية بمختلف جنسياتهم وانتماءاتهم السياسية والثقافية، وقد تميزت المملكة العربية السعودية بتنوعها وغناها الثقافي، ومع ازدهارها وتطورها، حافظت على هويتها وتراثها الثقافي الذي يعكس واقعها الاجتماعي وواقعها الجديد، على الرغم من التحولات الجذرية التي حدثت في مجتمعات المنطقة. واليوم تقف المنطقة على أعتاب تحولات جديدة تتطلب إستراتيجية إعلامية ثقافية جديدة، مع تنامي ظاهرة "متلازمة ستوكهولم" التي تتطلب معالجتها في ظل تسارع وتيرة العولمة والدور المهيمن للتكنولوجيا ووسائل التواصل والإعلام التواصل في عملية التغيير، وكما يبرز الاهتمام الكبير بالثقافة وإدراك أهميتها على المستوى الرسمي بوضعها كمكون أساسي في الخطط الاستراتيجية التنموية، وهذا يعكس من دون شك جذور وأهمية الثقافة ومفتاح الأمن الثقافي وجوهره هو الأمن الأيديولوجي! تغيرت وسائل التواصل والإعلام بشكل جذري، لم تعد مجرد ناقل فقط، ومن الأهمية تحسين القوانين واللوائح والسياسات ذات الصلة، حيث أصبح التسلل إلى الرأي العام والتلاعب به ذخيرة في ميادين الصراع، عدا عن ذلك استغلال قيم التعايش والتسامح والتسامي وحرية التعبير لمصالح وأجندات خارجية مشبوهة لتمارس فسادها، ونشر أيديولوجياتها وخطاباتها المشبوهة والمعادية داخل مجتمعات ودول مضيفة لها وتسيء للدولة ومجتمعها، فازدادت خطورة هذه الممارسات بمساهمة منصة تيك توك على سبيل المثال في ظل الصراعات والحروب الحالية في الترويج لوجهات نظر منحازة سياسياً وأيديولوجياً، ونشر أخبار ومعلومات ومحتوى متطرف ومضلل بهدف خلق الانقسامات في الرأي العام ودعم التحريض وإثارة للفتنة وتهديد للسلم الاجتماعي والأمن القومي. مما أُعلن عنه ووفق مسودة مشروع هيئة تنظيم الإعلام السعودية: يُمنع التعرض إلى ما من شأنه المساس بثوابت الشريعة الإسلامية، منع المساس بالملك أو ولي العهد في أي وسيلة إعلامية تقليدية كانت أو حديثة، منع بث أو نشر ما من شأنه الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، منع بث أو نشر ما من شأنه تشجيع الإجرام، أو الحث عليه أو التحريض على العُنف والإرهاب وتهديد السلم المجتمعي والأمن الوطني أو الدولي، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، لا يُسمح بنشر ما من شأنه الإساءة إلى علاقات المملكة بالدول الإسلامية أو العربية أو الصديقة في الإعلام التقليدي أو الحديث، منع بث أو نشر ما من شأنه الإضرار بالاقتصاد الوطني أو العملة الوطنية، يُمنع بث أو نشر ما من شأنه إثارة النعرات والفرقة والكراهية بين المواطنين أو المقيمين، يُمنع التعدي على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، سواءً كان في الوسائل الإعلامية التقليدية أو مواقع التواصل الاجتماعي. تتطلب الفترة الحالية وضع برنامج وطني يحد من التشدد والتطرف، ولا تمنح أي تأشيرة إلا بعد تقديم تفاصيل عن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم وعناوينهم الإلكترونية، كذلك على القطاع الخاص تفعيل المسح الأمني لكل من يتم التعاقد معهم، وكذلك للعاملين في المملكة من المقيمين خصوصاً من يسيئون في الفيسبوك والتيك توك وبقية مواقع التواصل الاجتماعي. انتهاك، إساءة، إهانة، تحريض، تعريض، تقويض، ترويج، تعزيز، تشهير، تعطيل، تشويه، تسريب، كل هذه الكلمات ضمن الإستراتيجية الإعلامية التي ستوثق كل هذه الانتهاكات بأي محتوى وأي وسيلة بشكل آلي ولحظي وتظهر أي محتوى ينتهك القوانين ومخالف للوائح والسياسات ذات الصلة. حرية التعبير والإعلام لا تكون غطاءً للإرهاب والتطرف أبداً، حتى كبار الفلاسفة الداعين إلى حرية التعبير مثل "جون ستيوارت ميل" طالبوا بالتواؤم بين "حريات التعبير" وبين "أمن البلد" الذي يعيشون أو يقيمون فيه، وأيده على هذا الرأي فيلسوف ألماني عريق هو "هيغل". خرافة وجود إعلام غربي حر ونزيه أو خرافة حرية رأي وتعبير مطلقة في الدول والديموقراطيات الغربية لا تجعلنا نصدق بالتالي وجودها في الدول العربية، فضلاً عن ذلك إنّ ازدواجية المعايير وخرافة الإعلام الغربي الحر أو ديموقراطية الإعلام اليساري قد انكشفت بوضوح كوسيلة تبرر الغاية طالما أن هذه الديموقراطية الخرقاء ستحقق أجندة سياسية محددة، وما إغلاق حساب ترمب في تويتر إبان الانتخابات الأميركية إلا مثال صارخ للتوظيف السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي، والاعتزاز بالحيادية في (مهنة الأخبار) كان غائباً عن معظم وسائل الإعلام التي أصبحت بعد الحرب الروسية الأوكرانية هي مكبر الصوت والمضخم لآراء وتوجهات الأحزاب اليسارية الغربية وحتى إن كانت وكالة أنباء عالمية فإن دورها التقليدي وباختصار لا يتعدى أن يكون (كلب حراسة) للديموقراطية الخرقاء! السلوك المتطرف والمخالفات الجسيمة لا تغتفر، سلوك متطرف غير مسبوق ومحتوى ينتهك قوانين وسياسات الدولة، في انتهاك خصوصية المواطنين والتشهير بهم وانتهاك حقوقهم المشروعة، وإيذاء مشاعرهم الوطنية، ومحاولة تفكيك وحدتهم الوطنية، وإثارة الفوضى في المجتمع وتقويض الاستقرار الاجتماعي، والمساس بالقيادة وبتضحيات الأبطال والشهداء، والإضرار بمصالح الدولة وبوحدتها وسيادتها وسلامة أراضيها، والترويج للإرهاب والتطرف والتحريض على الكراهية، والتحريض على سياسات الدولة.