شكل موضوع فلسطين في الأدب العربي أحد أهم الموضوعات المطروحة في هذا الفضاء، وبدأت نهضة هذا الأدب شعراً ونثراً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، أي منذ ستينيات القرن الماضي تحت اسم الأدب العربي المعاصر، وهو الأدب الذي رافق مصطلحي الحداثة وما بعدها؛ ليتحولَ بدوره مع بداية الألفية الثالثة إلى الأدب العربي الافتراضي أو الإلكتروني، مع بقاء الثقافة الأدبية الورقية هي السائدة في كل الأحوال. فلسطين في الرواية أنتجت روايات عديدة ترتبط بالقضية الفلسطينية بطريقة أو بأخرى، وهناك أسماء كثيرة ظهرت وتميزت روائيًا، مهتمة بالقضية، مثل: الروائي حنا مينة، وواسيني الأعرج، وإبراهيم نصرالله، ونجد مئات الروايات تنشر في العام الواحد، منها ما تناولت القضية الفلسطينية وغيرها، مما جعل الرواية العربية تحظى على الصعيد العام بالعديد من الجوائز، مثل جائزة «البوكر» العربية، وجائزة «كتارا» القطرية، عدا عن كونها حظيت بجائزة نوبل للآداب التي حصل عليها الروائي الشهير نجيب محفوظ الذي تحدث عن الانتفاضة الفلسطينية وقت حصوله على الجائزة. فلسطين في الشعر وتمركزت فلسطين في صميم الشعر العربي المعاصر، حيث مثلت خلال القرن العشرين أرضاً خصبة في وجدان الأمة العربية فيما عرف بأدب القضية، وفي المقابل مثّل الكيان الصهيوني الذي اغتصبها وما أنتجه من مؤامرات مستنقعاً آسناً بالعداء اللدود للوطن والأمة والإسلام والإنسانية، من هنا لا يكاد يخلو ديوان شاعر عربي من قصيدة أو قصائد تتناول فلسطين مأساةً وأملاً في التحرير، بل هناك دواوين كثيرة خصصت لفلسطين دون غيرها. تبدو البداية لافتة في شعر علي محمود طه، في ثلاثينات القرن الماضي، وهو يحذر من الظلم الذي يقع على فلسطين. ويقول صالح الأشتر في كتابه «مأساة فلسطين وأثرها في الشعر المعاصر»: «ومنحت القضية في فلسطين الأدب العربي ديواناً دموياً ضخماً، كتبت الحروب الصليبية صفحاتها الأولى، وهو لا يزال إلى اليوم في تضخم مستمر، وكلما تضخم الديوان ازدادت ملحمة الدم العربية في فلسطين غنى واتساعاً «، لذلك يرى الأشتر أن مأساة فلسطين أعظم تجربة يعانيها الأدب العربي المعاصر، وأنها أغنت العنصر العاطفي في الشعر، فانطلقت قصائد النكبة مفعمة بالألم والدموع، ودفعت الشعراء إلى التطوير والتجديد والحياة من خلال ثورة الشعر الجديد على التقاليد الشعرية القديمة، وألزمت الشعر العربي المعاصر على وجه العموم بالاتجاه الالتزامي الهادف، من خلال نبذ طريقة الفن من أجل الفن في الشعر أو في غيره من الأجناس الأدبية والفنية الأخرى. تعددت صور فلسطين في الشعر، فهي الأرض المغتصبة، والزمن المفقود، واللغة الدامية، والرموز والدلالات المتعددة، والشخصية الضائعة الغريبة، وعدوها غول يلتهم الأرض والزمن واللغة والشخصية، وناسها مرابطون، يعانون تحت احتلال استيطاني صهيوني يجتث الجذور، أو في المنافي والمخيمات يعانون الضياع والاغتراب. فعلى الرغم من مأساة فلسطين التي تقطر دماً منذ نشأتها إلى اليوم، إلى الحد الذي يشعر فيه الناس بفقدان الأمل، فإنّ الشعر العربي يصر على التفاؤل والإيمان بالمستقبل المشرق. حيث يقول نزار قباني من قصيدة بعنوان «بكيت حتى انتهت الدموع»: يا قدسُ، يا مدينةَ الأحزان يا دمعةً كبيرةً تجولُ في الأجفان من يوقفُ العدوان؟ عليكِ، يا لؤلؤةَ الأديان من يغسلُ الدماءَ عن حجارةِ الجدران؟ من ينقذُ الإنجيل؟ من ينقذُ القرآن؟ من ينقذُ المسيحَ ممن قتلوا المسيح؟ من ينقذُ الإنسان؟ ومن أمثلة الدراسات عن صورة فلسطين في الشعر العربي كتاب محمد حور «فلسطين في الشعر المعاصر بمنطقة الخليج العربي»، حيث تحدث الكتاب عن أبعاد الرؤية السياسية في الشعر من خلال البعد الإسلامي، والقومي، والعالمي، وعن صور المأساة في الشعر من خلال صورة النكبة، واللاجئ، والفدائي، وتوصل الباحث من خلال هذا كلّه إلى التأكيد بأن الشعراء عامة كانوا على درجة من الوعي والنضج، أهلتهم إلى أن تكون مشاركتهم جامعة بين العاطفة والعقل في تصويرهم لفلسطين في أشعارهم. أما جميل بركات في كتابه «فلسطين والشعر»، فقدّم حوالي أربعين شاعراً عربياً في ضوء علاقة شعرهم بفلسطين، مما يشير إلى نموذج واضح من اهتمام الشعراء العرب جميعهم بهذه القضية المركزية التي هي قضية عربية إسلامية إنسانية، لا قضية إقليمية فلسطينية. كذلك شكلت فلسطين ديوان شعرائها من أبنائها، فهي ديوان الشاعر المقيم تحت الاحتلال، وهي ديوان الشاعر المشرد في المخيمات والمنافي، فكان على رأس هؤلاء الشعراء: إبراهيم طوقان، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وعزالدين المناصرة، وتوفيق زياد، وكمال ناصر، ويوسف الخطيب، وفدوى طوقان، وإبراهيم نصرالله، ومريد البرغوثي، وتوفيق صايغ، وأحمد دحبور، ومعين بسيسو، وسلمى الخضراء الجيوسي، وراشد حسين.. وغيرهم ممن يعدون بالآلاف. إذا يمكن القول إن الشعر العربي، وخاصة الشعر الفلسطيني، استطاع ترسيخ وبناء هوية ثقافية عربية مقاومة للاحتلال، ومجسدة عن طريق اللغة واقع الاحتلال المرير، بروح ثورية فلسطينية تقاوم بكل السبل، وتؤمن بحتمية الانتصار على هذا العدو. الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان شاعر القضية الفلسطينية محمود درويش مقطع من قصيدة لمحمود درويش نزار قباني