تلعب السياحة دوراً مهماً في نمو الناتج المحلي لأي دولة، وتخلق فرصاً خدمية مناسبة في مناطق مختلفة، وقد حقق قطاع السياحة خلال الأعوام الماضية معدلات نمو مرتفعة، وبلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي عالمياً نحو 10.3 % في عام 2019م، تمثل نحو 8.9 تريليونات دولار بحسب صندوق النقد العربي. ولنجاح المنتجات السياحية في بلد ما لابد من ربطها داخلياً وخارجياً بشبكة نقل متنوعة ومريحة تمكن السائح من الوصول إليها بكل سلاسة وأمان، لذا فإن تحقيق القدرة والكفاءة لقطاع النقل يشكل حجر الزاوية في عمليات التنمية السياحية الناجحة، وتعد العلاقة بين السياحة والنقل وطيدة، إذ بدون وسائل النقل المختلفة والمتطورة لا يمكن لصناعة السياحة أن تزدهر وتنتعش. وقد أدركت المملكة أهمية السياحة فعملت على تطويرها وتنشيطها من خلال إقامة مشروعات سياحية نوعية كمدينة نيوم التي تشمل ذا لاين وتروجينا وسندالة، وتطوير جبال السودة، وجزر البحر الأحمر، وأمالا للسياحة العلاجية والنقاهة، ومدن القدية والدرعية والعلا وغيرها، كما ستكون استضافة المملكة لمعرض إكسبو 2030م وملف كأس العالم لكرة القدم عام 2034م إن تمت، نقلة نوعية في القطاع السياحي. وقد أشار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- خلال مقابلته مع قناة فوكس نيوز إلى أن المملكة تستهدف الوصول ل100 - 150 مليون زيارة سياحية بحلول 2030، وقد احتلت المركز 10 في عدد الزيارات السياحية عالمياً في عام 2022م ب40 مليون زيارة من الداخل والخارج، وأشار معالي وزير السياحة أحمد الخطيب إلى أن المملكة تستثمر أكثر من 800 مليار دولار في قطاع السياحة. كل ذلك يستدعي ربط المدن الرئيسة والمناطق السياحية في المملكة بمنظومة متطورة جداً من وسائل النقل الحديثة، وتعمل المملكة لتطوير قطاع النقل بإنشائها شبكة طرق واسعة احتلت بها المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر ترابط الطرق وفقاً لمجموعة البنك الدولي، وقبل أيام تم تدشين مشروع نقل الركاب بالحافلات والمجهزة بأحدث المتطلبات التقنية والفنية لربط 200 مدينة ومحافظة عبر تحالف بين شركات عالمية. وتعد القطارات السريعة ذات التقنيات الحديثة مقوماً أساسياً من مقومات نجاح المنتج السياحي؛ كونه الأكثر استيعابية ورفاهية وأماناً والأوفر اقتصادياً والأقل تلويثاً للبيئة، فإنشاء شبكة واسعة من القطارات الحديثة والسريعة مثل القطارات المغناطيسية واستخدام تقنية الهايبرلوب لربط المدن والمناطق السياحية ببعضها يعد عنصراً أساسياً لدعم السياحة، عدا عن أهميتها الكبيرة في الخدمات اللوجستية. كما أن القطارات التراثية أصبحت عامل جذب للسياح، وهنا أتمنى العمل على إعادة تأهيل الخط الحديدي الحجازي للرحلات السياحية التي تستهدف سياح الداخل والخارج، مستغلين قيمته التاريخية كما فعلت بريطانيا التي أطلقت قطار "بلموند بريتش بولمان"، أحد أشهر القطارات السياحية على مستوى العالم، والمميز في هذا القطار أن جميع عرباته أُعيد ترميمها بشكل كامل بطريقة فن "الآرت ديكور" الكلاسيكي؛ لتحاكي عصر السفر الذهبي على متن القطارات في حقبة عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. ونظراً لأهمية النقل الجوي فقد حظي بدعم خاص من القيادة الرشيدة -حفظها الله- لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للطيران التي تهدف للوصول إلى 330 مليون مسافر عبر 250 وجهة دولية بحلول العام 2030م، من خلال مجموعة من المشروعات تشمل المطارات والناقلات الجوية كإعلان المخطط العام لمطار الملك سلمان، وإطلاق المخطط العام لمطار أبها الجديد، وإنشاء مطار البحر الأحمر ومطار نيوم، وتدشين أول مطار مائي في المملكة لتشجيع قطاع السياحة الفاخرة، والذي يعد تحولاً نوعياً في تعزيز المشروعات الاقتصادية المعتمدة على المياه كأساس لنشاطها، وإنشاء شركة طيران الرياض التي تضم أسطولاً من أحدث الطائرات، وقد حققت المملكة أعلى زيادة في معدل الربط الجوي الدولي، ووصلت إلى المرتبة 13 عام 2023م مقارنة مع المرتبة 27 في عام 2019 من تصنيف يضم أكثر من 200 دولة، وذلك وفقاً لتقرير مؤشر الربط الجوي الصادر عن اتحاد النقل الجوي الدولي "إياتا". إن صناعة السياحة تتطور وتنمو بشكل مطرد مع تطور صناعة النقل، وكلا الصناعتين تسهمان في نمو الناتج المحلي للاقتصاد السعودي، لذا أتمنى على الحكومة -حفظها الله- توطين صناعة الحافلات بأنواعها خاصة التي تستخدم التقنيات الحديثة كالمحركات الكهربائية والهيدروجينية، ونقل معرفتها التصنيعية إلى المملكة، وتوطين صناعة الخطوط الحديدية وعربات القطار وإنشاء مراكز صيانة لها بالشراكة مع القطاع الخاص، والعمل على توطين مهن الطيران المختلفة، وفي صناعة السياحة أتمنى تأهيل وإعداد كوادر بشرية قادرة على إدارة آليات صناعة السياحة بمفهوم جديد، وهنا تجدر الإشارة إلى إطلاق وزارة السياحة أكاديمية عالمية للسياحة والضيافة في القدية باستثمارات تبلغ مليار دولار، والعمل على توطين قطاع الإيواء السياحي وتقديم حوافز للقطاع الخاص ورؤوس الأموال الوطنية للدخول بجدية ومن دون تردد في مشروعات سياحية كبيرة، بشكل يخدم احتياجات واتجاهات الطلب السياحي العالمي، وإعفائه من الرسوم والضرائب كافة مما سيسهم في زيادة فرص الاستثمار الوطني في قطاع السياحة. أخيراً، أتقدم بالشكر والتقدير لقيادتنا الرشيدة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على الاهتمام بالاستثمار في القطاع السياحي من خلال إطلاق مشروعات سياحية وترفيهية كبيرة، وكذلك إطلاق الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية لتنويع أنماط النقل الحديثة ودعم مسيرة التنمية الشاملة في المملكة.