الذي يرغب في أن يستشرف المستقبل، ويحاول قراءة ما قد تفضي إليه الأمور، عليه أولاً أن يقرأ التاريخ، ويتوقف عند المحطات المماثلة لما يجري الآن، فالتاريخ يعيد نفسه بشكل أو بآخر، ومن هنا أريد الانطلاقة في حديثي عن موقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية. في سنة 1939م، عقد مؤتمر "المائدة المستديرة" لمناقشة القضية الفلسطينية في العاصمة البريطانية لندن، وهناك أعلن مندوب المملكة الأمير فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- دعم ومساندة المملكة للقضية الفلسطينية على جميع الأصعدة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ثم تلا ذلك مشاركة السعودية في المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بحل القضية الفلسطينية، منها مؤتمر مدريد الشهير، وصولاً إلى مبادرة السلام العربية عام 2002م. اليوم لم يتغير موقف المملكة الثابت منذ عقود، حيث جدد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تأكيده على حقوق الشعب الفلسطيني، وفي محادثات إقامة علاقات بين المملكة وإسرائيل كانت الحقوق الفلسطينية هي جوهر المحادثات، ومع بدء إسرائيل حرب ضد غزة توقفت هذه المحادثات، وأصدرت الخارجية السعودية أكثر من بيان تدين انتهاكات إسرائيل في قطاع غزة المحاصر. بالعودة إلى التاريخ مرة ثانية، نتوقف عند الرؤية السعودية لحل القضية الفلسطينية، والتي تتفق مع الرؤية العربية التي طرحت في قمة فاس بالمغرب سنة 1982م، حيث أعلن الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- عن مشروع للسلام، ووافق عليه الدول العربية في مجلس القمة، حتى أصبح فيما بعد أساساً للمشروع العربي للسلام، ويتكون هذا المشروع من مبادئ رئيسة أهمها إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967م، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني بالعودة، وتأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام، ولا تزال السعودية والدول العربية متمسكة بهذا الحل كشرط للاعتراف بإسرائيل والتعايش معها بسلام. خلال كل عقود الصراع العربي - الإسرائيلي، كانت السعودية الدول الرائدة في مجال دعم نضال الشعب الفلسطيني، وقد شاركت عسكرياً في حرب 1984م ضد إسرائيل، وقدمت شهداء لا زالت أضرحتهم حتى اليوم تشهد على تضحياتهم، وبقيت المملكة تعقد القمم والاجتماعات وتقدم المبادرات الداعمة لفلسطين حتى اليوم، ولا أحد منا ينسى قمة الظهران أو "قمة القدس"، كما سماها الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، عندما عقدت القمة العربية ال29 عام 2018، حيث أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، تسمية القمة "قمة القدس"، وقال: "ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين"، كما أعلن خادم الحرمين الشريفين تبرع السعودية بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، وبمبلغ 50 مليون دولار لوكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، فيما أكد "إعلان قمة القدس" على مركزية القضية الفلسطينية، داعياً إلى أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي أمتنا من الأخطار المحدقة بها وتصون الأمن والاستقرار. واليوم أيضاً أصدرت وزارة الخارجية بياناً قالت فيه: إن المملكة تدين وتشجب العمليات البرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وتحذر من خطورة الاستمرار في الإقدام على هذه الانتهاكات الصارخة وغير المبررة والمخالفة للقانون الدولي بحق الشعب الفلسطيني الشقيق، وتدعو المجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته للوقف الفوري لهذه العملية العسكرية وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، كل هذا ولا زالت هناك بعض الألسن القريبة والبعيدة تطال المملكة وتحاول الإساءة لها. وأخيراً وليس آخراً، كانت قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في مدينة جدة، وأكدت على ضرورة وقف الانتهاكات التعسفية والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وجددت التأكيد على ضرورة حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وكذلك التوجيهات المستمرة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، على أن حقوق الشعب الفلسطيني خط أحمر لا يمكن المساس به بأي شكل من الأشكال. وعلى مر التاريخ أيضاً كانت المملكة العربية السعودية واحداً من أكبر مقدمي المساعدات للشعب الفلسطيني، ومنذ عام 2002 فقط قدمت المملكة أكثر من 480 مليون دولار كدعم نقدي للسلطة الفلسطينية ودعمت اللاجئين الفلسطينيين من خلال المساهمة في وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقدمت أكثر من 250 مليون دولار للفلسطينيين من خلال جامعة الدول العربية وتعهدت بمبلغ 500 مليون دولار كمساعدات على مدى السنوات الثلاث اللاحقة بعد مؤتمر المانحين في ديسمبر 2007م. باختصار، يمكننا القول: إن المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وحتى اللحظة، لم تتوان إطلاقاً عن تقديم كل أنواع الدعم للفلسطينيين، وساهمت في تخفيف معاناتهم، ودافعت عن حقوقهم في المحافل الدولية، وهنا يطرح السؤال نفسه، هذا ما قدمته السعودية، فماذا قدم الآخرون؟ محمد عبدالله السلامة