قبل عدة سنوات وعقب تخرجي من الجامعة، التحقت بالعمل في إحدى الشركات المحلية. وخلال واحدة من فترات ضغط العمل الشديدة، قام مديري المباشر وقتها بتفويضي لأداء دوره في تغطية المهام الإدارية وتمثيل الإدارة في الاجتماعات التنفيذية، وذلك ليزيد من تركيزه هو مع بقية الفريق على إنجاز أحد المشروعات الكبرى ذات الطبيعة التخصصية في مجال عمل الشركة. وذات صباح وعند وصولي إلى مقر العمل، تفاجأت بكم كبير جداً من الطلبات الإدارية في بريدي الإلكتروني. وقتها تملكني الضيق الشديد لكثرة العمل وكأنه لا ينتهي. وعلى إثر ذلك خرجت من مكتبي مُغضبًا. وشاءت الصدف أن وصل مديري في تلك اللحظة، ومن نظرة واحدة أدرك حالي. فتبسم في وجهي وقال: «جئت في وقتك، فأنا على وشك إعداد قهوة الصباح». وماهي إلا لحظات وكوب القهوة الساخنة في يدي، ومديري يتحدث بهدوء في أمور عامة. وشيئاً فشيئاً بدأ يناقش الطلبات التي وصلتني، ويرتبها حسب أهميتها. وأخيراً قام بتوزيع المهام الكثيرة إلى قسمين، وأصرّ أن يقوم هو بتغطية قسم منها من باب التعاون. بصراحة، بعد الفراغ من القهوة، مثل السحر زال عني شعور الضيق وكأنه لم يكن، وعليه طلبت بكل رحابة أن أقوم بإنجاز كل تلك المهمات. لاحقاً في ذلك اليوم، أخذت أسترجع ما حصل، وأفكر ما سر القهوة التي غيّرت من شعوري وتفكري بهذا الشكل؟ لا شك أن الإجابة تكمن في طريقة تجاوب المدير الراقية في احتواء الموقف، وإظهار دعمه لموظفيه بالفعل وليس بالقول وحده. وإن كانت الإدارة تختص بتوزيع طلبات العمل ومتابعتها، فالقيادة هي عملية إلهام الموظفين وتحفيزهم لتقديم أفضل ما لديهم، وكذلك الأخذ بأيديهم ومساعدتهم لإنجاز المهام وتحقيق الأهداف المرجوة، وليس إجبارهم على العمل تحت الضغط أو التهديد بالتأكيد. وعليه فالسحر لم يكن في قهوة الصباح، بل في كان في أسلوب قيادة هذا المدير الذي تفاعل مع بشكل إيجابي مع ضغوطات عمل موظفه. فلمثل هذا القائد الذي حرص على دعم ونجاح أفراد فريقه أوجه كل تحية وتقدير.