الرسائل ليست ورقاً بل روح تتحدث معك، فأنت حين تقرأ تتخيل كاتبها، وكيف جلس، وكيف أمسك القلم، وتستعين بعقلك في صنع نظرة خاصة، وابتسامة تندرج من هذه الجملة، ودمعة من سطرها الأخير. ومع كوننا في زمن توفرت فيه كل وسائل التواصل؛ إلا أنه ما زال هناك ما يُقال، لفرد ولمجتمع، وللحياة أجمع كاعتذار وتساؤل وأمل، كرغبة في إيصال صوت ومحاولة لعناق طويل. لذا خصصت "الرياض" مساحة للرسائل الأدبية عبر سلسلة بعنوان "علمتني الحياة"، نقرأ منها تجارب كاتبيها، ونتلهف لسماع قصصهم، ونتساءل معهم، ونتعلم من أحرفهم.أحببتك رجلاً ذا مروءة شاعر الحب والحرب.. كتبتُ عنك لأنني قرأتك وآمنتُ بك شاعراً يجيد صياغة المعنى ويبرع في نحت الصورة وفارساً «يغشى الوغى ويعفّ عند المغنمِ»، كتبتُ عنك «عاشقاً» حاربتهُ العنصرية واغتالت الموروثات صدق عاطفته ووأدت القبيلة إحساسه الدافئ في ركام من الطبقية والجمود. أيها العفيف النقيّ الذي «يغضّ طرفه إذا ما بدت له جارته حتى يواري الجارةُ مأواها»، والعاشق الذي حينما اقترب من السيوف تراءى له ثغر محبوبته فهوى يقبّل أثراً منها يعدّ دهليزاً من دهاليز روحها وبريقاً خاطفاً لابتسامتها. فحين قرأ الشاعر الفرنسي «ألفونس دو لامارتين»: ولقد ذكرتكِ والرماحُ نواهلٌ ..... مني وبيض الهندِ تقطرُ من دمي فوددتُ تقبيل السيوفِ لأنها ...... لمعتْ كبارُقِ ثغْرُكِ المتبسّمِ صاح مندهشاً: هذا هو الحب الحقيقي وهذه هي البطولة الحقيقية. كنتَ بارعاً في تصوير هيئة من يقاتلك مهتماً بما يلبس من عتاد، مصوّراً قيمته الاجتماعية ومكانته المرموقة بين الناس، واكتشفتُ أنك تقول هذا لأنك كنت متأثراً بقسوة والدك عليك وتصغيره من شأنك واحتقاره لك ولوالدتك التي لم يكن ذنبك أنك ولدت من رحمها وانطبعت بملامحها ولاحقتك لعنة النقص والسّواد بانتمائك لها. وأخيراً، أعترف لك أنني أحببتك رجلاً حراً تلازمهُ المروءة وتزيّنه الشيم وتسكنه الشجاعة، أحببتكَ بطلاً تحاصرهُ نظرات الدهشة وتتفاخر به القبائل وتدين له الرقاب، فالبطولة الحقيقية هي الشاعرية التي تسكن قلب فارسٍ يصرع الأعداء وتصرعه صورةُ واحدةٌ تحمل طيف من يحب. * الشاعرة تهاني الصبيح أديبة سعودية *