وأنا استعرض عناوين أوراق العمل المطروحة في ملتقى نادي القصيم الأدبي المعنون ب "عنترة بن شداد: التاريخ والتوظيف الأدبي" والذي تنطلق فعالياته اليوم الثلاثاء تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم.. شدتني الأسماء اللامعة التي تشارك في الطرح وكذلك العناوين الفرعية والتي ركزت على عنترة الشاعر، الفارس، العاشق،.. عنترة بين الأسطورة والحقيقة، الملامح السيميائية في معلقته الشهيرة، القراءات النقدية والدراسات التي حظيت بها قصائده، الملامح الإنسانية والأخلاقية، فن الشعر عند عنترة :إيقاع الذات ونداء الآخر، الدلالات الصرفية في شعره في ضوء النقد النصي، تجليات عنترة في القصيدة العربية المعاصرة،شخصيته في المسرح و الأدب العربي والأجنبي. ويظل عنترة بن شداد العبسي الذي عاش في عيون الجواء بالقصيم أحد أبرز الشعراء في العهد الجاهلي بدلالة احتفاء العرب بقصيدته الشهيرة هلا سألت الخيل يابنة مالك ***** إن كنت جاهلة بما لم تعلمي وتعليق القصيدة على جدران الكعبة كوثيقة اعتراف بشاعريته المجيدة وللعرب حدس وحس عجيبين في التمييز بين الشعر الأصيل من غيره، لذا فجيد الشعر يتناقله الركبان ويتداولونه في مجالسهم وأسواقهم وحوانيتهم. وقد احتوت قصائده على الكثير من المعاني الجميلة والقيم الحميدة كقوله: (وأغض طرفي إن بدت لي جارتي **** حتى يواري جارتي مثواها) وفي هذا البيت تعظيم للجار وحرص على حفظ عوراته. وقوله أيضاً: يخبرك من شهد الوقيعة أنني **** أغشى الوغى وأعف عند المغنم وينم عن شجاعة وعزة نفس..إذ لا يأبه بتلك الغنائم ويراها سقط المتاع.. فيما تجود يمناه بعاجلات الطعان بالرمح والسيف.. أما الغزل فيكفيه هذا البيت: فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم أي جمال شعري ودفق وجداني ووصف ألمعي يحتشد به هذا البيت.. ففي عنفوان المعركة وحين تلتمع السيوف في أيدي الفرسان بفعل إشعاع الشمس في تلك اللحظة الحاسمة والحرجة والتي يتراجع جبابرة الشجعان عن الإقدام.. يتقدم عنترة بل يعتبر بريق السيوف كبريق ثغر حبيبته عبلة، في هذا الموقف العصيب وغيره .. تقدح محبوبته عبلة مشاعره وتوقظ أحاسيسه.. ليفيض شعراً ويقطر عذوبة ينطبع في ذاكرة الناس.. وأظن أن شيئين خلدا عنترة هما الشعر والحب ولولاهما لما بقي عنترة في الذاكرة حتى الآن، فكم أنجبت الجزيرة العربية من الفرسان الشجعان وأُهرقت دماؤهم في الصحراء دون أن نعرف عنهم شيئاً، أما عنترة فلصدق مشاعره وحبه العفيف وجزالة ألفاظ قصائده وقوة معانيها.. كانت سببا في بقاء عنترة الشاعر والعاشق والفارس في الذاكرة العربية والأجنبية.