تعيش بلادنا الفتية طفرة حضارية بكل المقاييس، هذا التطور النوعي يقفز بالمخيلة نحو آفاق المبدأ الحضاري الخلاق لرقي الإنسان وعزه ورفعته وتنمية أفكاره المتطلعة لكل ما هو مميز وفريد وجميل، وفي إطار البصمات الإبداعية المواكبة لهذه النهضة المباركة وتحقيق مستهدفات الرؤية المضي قدماً في تعزيز مستوى جودة الحياة وإضافة اللمسات الجمالية للمباني للارتقاء بالمشهد الحضري والتقليل من التلوث البصري. وهاهي التنظيمات المؤطرة للرقي في هذا المسار تدفع بهذا الاتجاه، ولاشك أن الامتثال يصب في مصلحة الجميع، الفن المعماري والتطور الهندسي في هذا الإطار يعول عليه في تحقيق الامتثال الذي يصبو إليه الجميع، ويشمل بلا ريب الحد من الهدر وإطالة العمر الزمني، فالمباني ونسبة كبيرة منها بنيت على أساسات قوية بل أكاد أجزم أن الأخذ في الاعتبار الأمد البعيد وإطالة عمر المباني كان حاضراً في سنوات الطفرة والنهضة العمرانية بدعم سخي من الحكومة الرشيدة -أعزها الله- في تخفيف العبء والتيسير على المواطنين، ويؤكد رسوخ المفهوم القوي عند صب الأساسات ومواد البناء الأصلية ذات الجودة العالية مما يعزز في إطالة عمر المباني وكل يدرك ذلك، كما أنها أقيمت وبنيت وفق الاشتراطات المنظمة بهذا الخصوص وبإشراف البلديات آنذاك، فضلاً عن تجربة صندوق التنمية العقاري الرائدة التي ساهمت وبفعالية في بناء النهضة السعودية العمرانية المباركة، بل إن الأغلبية كانوا يشرفون بأنفسهم على مبانيهم ومقولة «عندي عمار» كانت دارجة في ذلك الوقت لأنهم يعيشون مع مبانيهم كما سيعيشون عليها، الفكرة المعمارية والتنفيذ الهندسي في إنشاء المباني والعمائر أخذت في الاعتبار جانب الديمومة وإطالة عمرها سواء في قوة الأساس والمواد المستخدمة أو المشهد الجمالي بهذا الخصوص، إن التعامل مع المباني القديمة أو بالأحرى إعادة تأهيل المباني القديمة إن جازت التسمية هي ممارسة شائعة ودارجة في كل دول العالم، ولعل ما يساهم في تفعيل الاشتراطات وتسهيل الإجراءات هو إبداء أكبر قدر من المرونة الفنية بهذا الصدد، وقد استفادت أغلب الدول في تفعيل المقاربة بين ما يمكن الاستفادة منه والتخلي عنه بهذا الخصوص وفي إطار تحقيق اشتراطات للسلامة وفق إشراف هندسي يدعمه وعي مجتمعي وتعاون بناء بهذا الصدد ليتيح إمكانية التعديل بتكاليف أقل طالما أن هذه المنشآت آمنة هندسياً، وبالتالي تحسين مستوى المشهد الحضري وفق أسلوب تحديثي فعال وقابل للتطبيق وتحسين أداء العناصر الموجودة، ليكون الأساس في التعامل مع هذه المباني، ومن شأن ذلك العناية بالمكتسبات في ترشيد خلاق يتكئ في جانب منه على القيمة المعنوية والثقافية، فضلاً عن أهمية الحفاظ على المباني التاريخية والتراثية وتأهيل هذه المباني لتوظيفها للاستخدامات الجديدة دون الإخلال بطابعها وشخصيتها المعمارية، ثقافة الحفاظ وشيوع ثقافة الاستهلاك يؤسسان للرغبة في الاستثمار الأمثل، لما في ذلك من مردود اجتماعي واقتصادي. ومن شأنه أنْ يطيل من عمر استعمالنا للأشياء، وبذلك نكون قد قللنا من استنزافنا وتلويثنا للبيئة، وحققنا وفراً كبيراً ليتبوأ المشهد الحضري موقعه كأحد العناصر المعززة للتنمية المستدامة، ويستثنى من ذلك بطبيعة الحال المنشآت التي يتعذر تعديلها بالمطلق، وبالله التوفيق.