يعيش المواطن السعودي هذه الأيام زخماً معنوياً وطنياً كبيراً، بفعل ما تشهده المملكة من تحولات ونقلات نوعية على كافة الأصعدة وصولاً إلى إعلان سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - نية المملكة للترشح لاستضافة كأس العالم والذي يعتبر لأي بلد فرصة تنموية ضخمة تحفزه على العمل بالطاقة القصوى واختصار الزمن في سبيل تشييد بنية تحتية عالمية المستوى تشمل الطرق ووسائل النقل العام والفنادق والمرافق الرياضية والملاعب، كما أنها فرصة مثالية للتعريف بالبلد المستضيف وثقافته وقدرته على التنظيم وحسن الضيافة، بالإضافة للمكاسب الاقتصادية التي لا حصر لها، كيف لا ونحن نتحدث عن حدث تابعه في نسخته الأخيرة ما يزيد على خمسة مليارات شخص حول العالم وفقاً لما ذكره الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". أنا لست هنا بمعرض الحديث عن كأس العالم كبطولة أو تاريخها أو أهميتها، بل سأتناول الموضوع من زاوية مختلفة تماماً تمثل حجر الزاوية لرغبة المملكة في هذه الاستضافة بحسب قراءتي للمشهد، ألا وهي الوجه الجديد للمملكة متمثلاً بكافة المشاريع التنموية والكبرى التي يجري العمل عليها، فكما يعلم الجميع أن المملكة تعيش حراكاً عمرانياً غير مسبوق حيث تعمل كافة أجهزة الدولة ذات العلاقة بالتنمية على حزمة كبيرة من المشاريع والتي بدورها مجتمعة ستشكل وجهاً جديداً للمملكة، فبدءاً من الدرعية والقدية مروراً بالعلا ونيوم والبحر الأحمر وصولاً إلى جبال السودة وذلك على سبيل المثال لا الحصر، فهذه المشاريع وغيرها والتي تراهن عليها القيادة الرشيدة وكذلك المختصون ستكون قادرة على ما يمكن تسميته مجازاً بحرق المراحل وتسريع وتيرة التأثير وتحقيق المستهدفات بمجرد استضافة المملكة لكأس العالم، فهذه الاستضافة ستجعل المملكة محط أنظار العالم وقبلة للسياح بالتزامن مع تدشين هذه المشاريع فبالتالي سيقل مستوى الحاجة إلى جهد مضاعف للتسويق لهذه المشاريع. فاستضافة كأس العالم ستكون محطة رئيسة ومهمة في طريق تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة على كافة الأصعدة ناهيك عن دورها في تفعيل السياحية والتي تتبنى المملكة فيها نهجاً متعدداً يهدف لتطوير قطاع سياحي حيوي بما يتيح له جذب 100 مليون سائح سنوياً بحلول عام 2030، فالسياحة في المملكة باتت في الآونة الأخيرة صناعة متنامية نجحت خلال فترة قصيرة في أن يكون لها دور فاعل في تحقيق التنوع الاقتصادي، والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص استثمارية وتوفير فرص عمل للمواطنين. أردت في هذه المقالة أن ألقي الضوء على هذا الجانب وأن أؤكد أن خلف كل ذلك قيادة تمتلك الذكاء الاستراتيجي مصحوباً بإرادة قوية، ومتمكنة من أدوات السياسة والاقتصاد والتخطيط، وفخورةً بامتدادها التاريخي والثقافي والحضاري، وأن الحرص على استضافة معرض إكسبو الدولي أو كأس العالم لم يكن مجرد رغبة للاستعراض أو التباهي بل كان التقاطاً حاد الذكاء لفرص تنموية لا يمكن تكرارها وخطوة من ضمن خطوات رسمتها القيادة لتعزيز مكانة ودور المملكة عالمياً في كافة المجالات.