اتفق البيت الأبيض الأسبوع الماضي مع سبع شركات للذكاء الاصطناعي، منها: غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت، على تبني ضمانات لسلامة تقنياتها، وألا تؤدي المنافسة الحادة إلى التنازل عن معايير السلامة وأمن المعلومات. وقد أعلنت شركة ميتا المالكة لفيسبوك أنها ستطلق تطبيق الذكاء الاصطناعي (لاما) وستنشر شفرته المصدرية للعموم، تجاوباً مع الضمانات الجديدة التي تدعو للشفافية والمصداقية. يعرف نشر الشفرة المصدرية في صناعة البرمجيات بالمصدر المفتوح، ويعتبر منهجاً فريداً قل مثيله في مجالات أخرى. فمنذ اتساع نطاق البرمجيات بظهور الحاسبات الشخصية التي دخلت كل بيت مثل: التلفاز، ظهرت برمجيات تنازل مطوروها عن حقوقهم فيها بتداولها دون مقابل مع إتاحة الشفرة للجميع للاطلاع والتطوير. في فترة قصيرة، كانت البرمجيات مفتوحة المصدر تنمو بسرعة، واشتهرت منها برمجيات أنشئت من أجلها مؤسسات غير ربحية باسمها مثل: لينكس وأباتشي وغيرها. لم تكن الحاجة للاطلاع على الشفرة المصدرية آنذاك ماسة، إنما كانت إيماناً بحق الانتفاع العام دعماً لحرية الابتكار، أما اليوم فالأمر مختلف. اتفقت الشركات حسب إعلان البيت الأبيض على تطبيق خمسة ضمانات: أن يختبر تطبيق الذكاء الاصطناعي خبير أمني مستقل مع مشاركة نتائج الاختبار مع جهات الدولة المعنية بأمن تقنية المعلومات وسلامتها، وأن يمكن المستهلك من التعرف على المحتوى الذي تنشئه التطبيقات بعلامات فارقة على الصور والأفلام، وأن تنشر الشركات تقارير دورية للعموم عن قدرات التطبيقات السلبية والإيجابية، وما تعرفه من انحيازات أو ثغرات أمنية، وأن توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعالجة التحديات الكبرى مثل: مرض السرطان أو التغير المناخي، وأخيراً، أن تستثمر الشركات في أبحاث انحيازات الذكاء الاصطناعي وانتهاك الخصوصية الشخصية. لم يرد في الاتفاق ما التزمت به فيسبوك من نشر الشفرة المصدرية لتطبيقها الجديد (لاما)، إنما تحقيق ما اتفق عليه يأتي بإتاحة الشفرة المصدرية كما هو متعارف عليه في مجتمع البرمجيات المفتوحة، ليست فيسبوك الوحيدة التي اتبعت هذا النهج، إنما نشرت غوغل شفراتها المصدرية قبل ذلك، مما يعني أن أدوات تحقيق الشفافية موجودة في القطاع، إنما الخوف أن تتقلص مع المنافسة، لذلك تأتي بادرة فتح تطبيقات الذكاء الاصطناعي للعموم في وقت المجتمع في أشد الحاجة لأدوات تمكنه من الاطلاع الفعال على ما يجري من تقدم في هذا المجال. دعت البرمجيات مفتوحة المصدر في بداياتها إلى نشر التقنية وتمكين المجتمع من الوصول إليها دون قيود. أما اليوم، وإضافة لما سبق، أصبحت البرمجيات المفتوحة أداة لضمان سلامة المجتمع من أخطار التقنية، بفتح الصناديق السوداء المغلقة لترى النور، خطر الذكاء الاصطناعي ليس محصوراً في التقنية بحد ذاتها، كما يوحي مضمون الاتفاق، إنما في مخاطر المنافسة التي ربما أدت إلى إصدار تقنيات قبل نضوجها، لا تراعي سلامة المجتمع ومصالحه في المقام الأول.