يعيش الكتاب مرحلة من التحول الكبير والتي تتمثل في انتقال محتوياته من الورق النباتي إلى اللغة الرقمية، والتي توصف بالكتاب الرقمي أو الضوئي كما يسمى أحياناً منذ عقد من الزمان، ودائماً ما يتناقل في وسائل التواصل رسائل مفادها ضعف الكتاب الورقي والاتجاه للكتاب الرقمي، الذي يواكب تقنية العصر في الوقت الحالي. وما نرى اليوم أن معارض الكتاب تشهد حضور كبير من مختلف الشرائح المجتمعية ويزداد أعداد الزائرين يوماً بعد يوم، ونشاهد بعض المغادرين من جولة المعرض يحملون أعداداً كبيرة من الكتب الورقية. السؤال الذي طرحته "الرياض" للنقاش.. هل معارض الكتاب استطاعت إعادة هيبة الكتاب الورقي في ظل منافسة الكتاب الرقمي له؟ المنافس الأقوى في البداية أشار الدكتور فواز اللعبون أستاذ الأدب والنقد جامعة الإمام، أن الكتاب الورقي لازال هو الحاضر والمتصدر والأقدر على البقاء والأكثر مرونة لدى القارئ النهم، والكتاب الرقمي منافس قوي سيزداد حضوره قوة مع الوقت ولكنه يشبه الوجبة السريعة يلجأ إليه الباحثون والباحثات وقت الحاجة العاجلة رغم أن الغالبية تطمئن أكثر للكتاب الورقي بحكم العلاقة الأزلية بينه وبين الناس وعموما اهتمام الناس بالحضور لمعارض الكتب مؤشر على أهمية القراءة بغض النظر إذا كانت من خلال الكتاب الورقي أو الرقمي. وأضاف لا يغفل أن الناس تحرص على حضور أي فعالية للاستكشاف في ظاهرها حتى وأن لم يكن هناك لشراء الكتب فهم يجدونها فرصة للخروج والتنزه ويمكن أن نقول أن ما نسبته 70 % من الزائرين جاؤوا من أجل شراء الكتب بمختلف أنواعها والنسبة الباقية هدفهم حضور الفعالية الثقافية ومواكبة أنشطتها من ندوات وتدشين للكتب. روح العصر وقال أ.د عبدالرحمن رجا الله السلمي مدير مركز التميز البحثي في اللغة العربية جامعة الملك عبدالعزيز: أن الكتاب الورقي لازالت مكانته في الصدارة بجانب الكتاب الإلكتروني الذي تواءم مع روح العصر ومتطلبات التقنية والابتكار وسرعة الوصول وبالتالي أصبح وجوده أكثر انتشار والتعامل معها بسهوله ونستطيع أن نقول إن الكتاب الإلكتروني لن يستطيع إزاحة الكتاب الورقي من الساحة بل سيدعم انتشاره أكثر ويوسع من دائرة الاستفادة منه وفي الجانب الآخر فإن الإقبال الكبير الذي نشهده في معارض الكتاب ليس بالضرورة أن يكون هذا الإقبال من الزائرين بهدف اقتناء الكتب المطبوعة والورقية لأن معرض الكتاب يوجد فيه فعاليات ثقافية كثيره أخرى تجذب الزوار مثل تقديم حزمه من المنتجات الابتكارية فلدينا الكتب المسموعة والمقروءة بالإضافة لمشاركة دور النشر المحلية والعالمية وتنوع في الثقافات والإصدارات بوسائل التعلم وتقنيات الذكاء الاصطناعي وجميع الموضوعات العلمية والاجتماعية والأدبية والثقافية والفنون الأدائية كالمسرح أو البرامج والمبادرات والفنون البصرية كالرسم والنحت بالإضافة لوجود عدد كبير من المبادرات والأفكار ذات الصبغة الابتكارية والتقنية تجتمع تحت سقف واحد. ولفت إلى أن هذا الحراك والتنوع هو ما يؤدي إلى إقبال الناس لمعارض الكتاب والتي أصبحت اليوم تمثل معيار من معيار جودة الحياة وتحسين التفكير وتهدف الى نشر الوعي وثقافة القراءة ونشر التنوع الثقافي واللغوي، وأن معارض الكتب اليوم لم تعد تقتصر على تسويق الكتاب الورقي بل توسع التسويق ليصل للكتاب الإلكتروني والبرامج الثقافية والاجتماعية والتي تعتبر محفزه ومشجعة للقراءة ولتعزيز مكانة الكتاب. وأكد السلمي على أن الكتاب الورقي سيبقي والتطور الذي يصاحب الكتاب سواء من ناحية الكتاب الرقمي والمسموع أو الكتاب المدمج والذي يستخدم الوسائل البصرية والسمعية سوف يشهد في المرحلة القادمة تطور لن يؤثر على مكانة الكتاب الورقي بشكل سلبي حتى وإن قل اقتنائه ولكنه سيبقي على مستوى الأفراد والمؤسسات وهناك نخبة من المثقفين والأدباء والمفكرين لا يتعاطى إلا مع الكتاب الورقي لأنه يراه الوسيلة الأفضل للاستيعاب والأكثر للتناول لأنه يستطيع أن يحمل هذا الكتاب معه في سفره و في كل وقت بينما الكتاب الإلكتروني ربما يحتاج إلى خدمات مصاحبه للتعامل معه كخدمات الإنترنت مثلاً. مكانة الكتاب وأشار الدكتور صالح الزياد أستاذ النقد الأدبي بجامعة الملك سعود، بأن الإقبال على زيارة معارض الكتاب لا يتناقض مع الآراء التي تشكك في مكانة الكتاب الورقي مع الأخذ في الاعتبار أن الوسائل الرقمية بدأت تكتسح مجالنا الثقافي، فنحن نقرأ كتباً إلكترونية ونشتريها من المتاجر المتخصصة في بيعها في الوقت الذي لازال فيه الكتاب الورقي حاضراً لأسباب بعضها عملي لأن البعض يرى أن الكتاب الورقي له قيمته في مساحة الذكرى أو لأن وجوده بين أيدينا يعطينا شعوراً ما وربما لأن للورق رائحة جميلة تربطنا بالكتاب ويسهل علينا تدوين الملاحظات بين سطوره ويرتبط الكتاب الورقي مع بعض الناس برابط عاطفي من خلال تقليب الصفحات ووضع حواجز ورقية ملونه بينها -لافتاً- إلى أن تدوين الملاحظات على الكتاب الإلكتروني متاح أيضاً. وتابع.. د. الزياد بأنه علينا أن نعترف أن أبناءنا الذين يعيشون في العصر الرقمي ضعفت صلتهم بالكتاب الورقي وهم أقرب للكتاب الرقمي ولو نظرنا لحالة الكتاب الورقي في العالم لوجدنا أن له حضوره حتى وإن تراجع هذا الحضور عن سابقه ودائماً تمتلئ الرفوف به في مختلف المعارض التي تقام في دول العالم. وذكر د. الزياد لا يجب أن نغفل أهمية وجود الكتاب الإلكتروني والذي يسهل للباحثين البحث عن المعلومات بسهولة وهو بمثابة حمل مكتبة متكاملة في جهاز الأيباد أو الجوال.