فرّ آلاف السودانيين من سكان بلدة تقع على الحدود بين ولايتين بوسط السودان، بعد أن هاجمتهم قوات الدعم السريع التي قالت إنها استولت على حامية للجيش، بحسب ما أفاد شهود أمس. وأفاد أشخاص من الفارين عن هروب أكثر من 15 ألف شخص من سكان بلدة ود عشانا، التي تقع بولاية شمال كردفان على الحدود مع ولاية النيل الأبيض، بعد أن هاجمتها قوات الدعم السريع على متن أكثر من خمسين عربة "لاندكروزر" مسلحة. وقال السوداني الطيب عبدالباقي، الذي فرّ مع أسرته من البلدة إلى قرية العديداب على بعد 10 كيلومترات شمالا "عشنا ساعات من الرعب... قتل جاري وابن عمي بسبب الرصاص العشوائي".وتابع "فقدنا حيواناتنا والمعدات التي نستجلب بها مياه الشرب".وأوضح عبدالباقي أن "الأوضاع في البلدة كانت هادئة حتى الأسبوع الماضي، حينما وصول قوة من الجيش أقامت غرب البلدة"، مضيفا أن "بعد ثلاثة أيام تحرك الدعم السريع من (مدينة) أم روابة (ولاية شمال كردفان) التي سيطر عليها قبل شهر تقريبا، وهاجم قوات الجيش ثم استباح" بلدة ود عشانا.من جهتها أكدت قوات الدعم السريع عبر حسابها على موقع إكس (تويتر سابقا) "السيطرة على حامية منطقة ود عشانا بولاية شمال كردفان، وهي آخر حامية حدودية للفلول مع ولاية النيل الأبيض". وقال عبد الباقي الذي يقيم حاليا بقرية العديداب بمنزل أحد أقاربه مع ثلاث أسر أخرى من الفارين "انسحب الجيش إلى بلدة تندلتي بولاية النيل الابيض على بعد 35 كلم شرق ود عشانا". وأضاف "هناك جثث في الشوارع وينبغي أن يأتي موظفو الاغاثة الانسانية للتعرف عليها والتعامل معها"، فيما باتت عدة مدن سودانية تواجه مشكلة كبيرة تتمثل في الجثث الموجودة في الشوارع. وقال أحمد، وهو أحد الفارين وصاحب متجر بسوق ود عشانا "تم نهب السوق تماما ولم نخرج إلا بما علينا من ثياب". وتكدست في مدارس قرية العديداب عشرات الأسر الفارة من العنف، والتي لم تحمل معها أي شئ وهي تعتمد فقط على ما يقدمه أهالي القرية من مساعدات. ومنذ اندلاع المعارك التي تركزت في الخرطوم وإقليم دارفور غرب البلاد، قُتل نحو 7500 شخص بينهم 435 طفلًا على الأقل بحسب منظمة أكليد غير الحكومية والأممالمتحدة، في حصيلة يرجّح أن تكون أقلّ بكثير من عدد الضحايا الفعلي للنزاع. واشتعلت الحرب بسبب النزاع على السلطة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الذي كان نائبا له الفريق محمد حمدان دقلو. وحتى الآن فشلت كل الجهود الدبلوماسية التي قامت بها أطراف عدة من بينها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في وقف القتال. الموت يطارد الفارين من الحرب حذّرت الأممالمتحدة من أن مئات الآلاف من اللاجئين من جنوب السودان العائدين إلى بلدهم هربا من الحرب في السودان، يواجهون "الجوع الطارئ" مع بقاء 90 في المئة من الأسر لأيام بدون وجبات. وأجبرت الحرب قرابة 300 ألف مواطن من جنوب السودان على العودة إلى ديارهم في الأشهر الخمسة الماضية، بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وأثرت الأزمة خصوصا على الصغار، مع معاناة 20 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية. وقالت ماري-إيلين مكغرورتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جوبا "نرى عائلات تنتقل من كارثة إلى أخرى أثناء فرارها من الخطر في السودان، لتجد اليأس في جنوب السودان". ومنذ اندلاع المعارك في السودان، قُتل حوالى 7500 شخص، وفق إحصاء لمنظمة أكلد غير الحكومية. وفشلت اتفاقات الهدنة المتعددة في إنهاء العنف الذي دفع عشرات الآلاف إلى الفرار عبر حدود السودان، وأثار مخاوف من حدوث أزمة إنسانية تجتاح المنطقة الأوسع. وقال برنامج الأغذية العالمي إن مواطني جنوب السودان الذين يشكّلون تقريبا جميع اللاجئين الذين يصلون إلى بلدهم "يعودون إلى دولة تواجه أصلا حاجات إنسانية غير مسبوقة". وأضاف "الأشخاص الذين يصلون اليوم هم في ظروف أخطر من ظروف العائلات التي فرت في الأسابيع الأولى من الصراع". وأشارت المنظمة إلى أن الأمطار الغزيرة التي ألحقت أضرارا بالمخيمات المزدحمة والمعابر الحدودية، أدت إلى تدهور الظروف المعيشية وتفاقم انتشار الأمراض. في العام 2011 أصبح جنوب السودان الدولة الأحدث عهدا في العالم، باستقلاله عن السودان، لكن البلاد غارقة مذّاك في أزمات كبرى، بما فيها حرب أهلية استمرت خمس سنوات أوقعت حوالى 400 ألف قتيل إلى أن وقّع اتفاق سلام في العام 2018. وما زالت البلاد التي تضم أكثر من 60 مجموعة إثنية، و12 مليون نسمة تواجه أعمال عنف مميتة وكوارث طبيعية واقتتالا سياسيا.