كان الأب الذي يحتفظ بوقاره يوصي أبناءه بعدم الحديث قبل أن يمرروا الكلام على عقولهم، فإن لم يجدوا مأخذًا حدثوا به، وإلا لزموا الصمت، واليوم يتراقص أب غير وقور مع أبنائه على منصات التواصل الاجتماعي مصدّرين "التفاهة" في انقلاب مُشين على الثوابت، ليظهَر جيل من الحمقى يشبهون إلى حد كبير ممن وردت أخبارهم في كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين"، ولكن بصورة "مؤثرين". من الصعب تحديد الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يتصرفون بطريقة غير حكيمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من بين الأسباب المحتملة هي الحاجة إلى الانتماء إلى مجموعة معينة، والرغبة في لفت الانتباه والإعجاب، والتأثير على الآخرين، والتعبير عن الرأي الشخصي ولو بشكل متهور غير مسؤول، لتزدهر بذلك "صناعة الحمقى" بمباركة من أسلموا عقولهم للتافهين. وعودة إلى توصية الأب الوقور، تبرز أهمية تبني تقديم مواد تعريفية من جهات الاختصاص تتولى التوعية بكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مسؤول، حتى لا تقضي التفاهة والطرح غير المسؤول على ما بقي في المجتمع من قيم وأصول ومبادئ. يجب من رادع يقول: كفى تسليعاً للحياة الخاصة، وتحويلها محتوى يباع ويشترى، فالصور الخاصة باتت عامة والمحتوى العائلي أصبح جماهيرياً. واللهث حثيث وراء "الترند" وبيع التفاصيل. الوقت حان لتشريع يحدد ضوابط هذا الانفلات في المحتوى السوشلي الغريب والمريب أحياناً.