أن تستيقظ فتجد مجتمعاً يرقص في أحد المواقع، فهذا ليس خبرًا. الخبر أن تجد هؤلاء يحصدون مئات الملايين من المتابعين، ويشاهدهم الآلاف في البث المباشر! تخيل.. بث يمر فيه الوقت، وأنت فقط ترقص والناس يتابعون! من الناحية المنطقية هذا السلوك ليس مغرياً لأحد، وأنا أعتقد أن هؤلاء الذين رقصوا، لم يكونوا ليتمنوا أن تصبح شهرتهم بهذه السطحية! هم فقط ضحايا مجتمعات منافقة تدعي محاربتها للتفاهة، وترفع شعار: "لا تجعلوا من الحمقى مشاهير"، بينما هواتفهم تعج بما لذ وطاب من أتفه خليقة الله! لا يكفي أن تشارك في حملات تحارب فيها الحمقى والتافهين والراقصين.. ولكن عليك أن تسأل نفسك: – ما المغري في أن ينتهج المرء الرقص وسيلة يشتهر بها؟ إنها أقصر قصة.. يشاهد المراهق أحد الشباب يحصل على جماهيرية كبيرة، ومتابعين يملؤون حسابه بالدعم والمشاهدة والنشر، وشركات تعرض عليه آلاف الريالات ليمدح منتجاتها، وبعد مضي مدة يستطيع أن يستمر بتقديم يومياته لمتابعيه. وبعد أن يحصد ما حصده؛ يظهر راكبًا السيارات الفارهة، وينزل في أفخم الفنادق، ويسافر في أرقى الرحلات وقتما يحلو له. ويظهر في حفلات استقبال الوجهات، وقد يغطي حملات رسمية، وتفرد له الصحافة والإعلام مساحة ليظهر بها، ويوزع آراءه على المتابعين، وتغطي وسائل الإعلام تصريحاته! أليست حياة مغرية لمراهق لم يعد يرى أن المثقفين والكتاب وأصحاب الرأي والمنطق يحظون بشعبية وترحيب مجتمعي؟ تخلق في ذهنية المراهق فكرة أنه يمتلك كل الأدوات، الهاتف بالكاميرا، وشبكة الإنترنت.. ويبقى فقط أن يشغل أغنية ويهز وسطه! ولن يقلق، فالشركات في دول العالم صممت مواقع، ووضعت إطاراً لنظام التفاهة.. ولتتأكد من ذلك، عليك أن تشاهد منصات التواصل، وستجد "الترند" في كثير من الدول يتجه لصالح هؤلاء التافهين. لا تستغرب أبداً.. فمناخ صناعة المثقفين والنخب ليس موجوداً، وغير مرحب به، أما مناخ التفاهة فهو موجود ومتوفر وجاهز لاستقبال تافهين جدد!