عبر الطرح الميثولوجي يتم الولوج نحو تحليل مقاربة مهمة تتعلق بجينيالوجيا الفن، ليفرض»الفن من أجل الفن» على نيتشه استحضار التراث الميثولوجي من جديد، لتحطيم الاتباعيات المعرفية والقيمية والأنطولوجية التي انحاز لها التقليد الغربي عن طريق تأسيس فلسفة تثبت الحياة، وتحتفي باللا-نسق. ليشغل الميثولوجي حيزاً من تراث الإنسانية، ودعامة فكرية للاستناد البحثي والمعرفي لتفسير لفعل قوى خارقة والخروج عن مألوف العالم الطبيعي دون التلميح المباشر. الغنائية الترميزية، وصوفية المشهد لدى «عبدالعزيز الدقيل» وفي مدارات النحو عن انزلاق مخيلة الفنان في دروب استحواذ الميكانزمات على حرية وعفوية الفنان، وعبر دراما نابضة تنحاز لهوية وذاتية خصوصية تستحضر تراثاً وتاريخاً معبأ بعناصر متمايزة من شخوص ومعماريات ونخيل ونيل وسماوات مفتوحة وزخارف عبق التراث المحلي الملهم، كنافذة لها عمقها المنظوري نرى من خلالها عناصرها ذات الحركة الدؤوبة والتلميحات التراثية، ليسهم ذلك إيجابياً لطرح حداثة بصرية متفردة تحتضن عبق التاريخ وأصالة الحداثي المعاصر، الذي يكتسي بهوية عناصر تصدح بالوضوح وأصالة المفهوم، لاجتذاب الفعل التجاوبي لدى الجمهور وتعزز تفاعله وارتباطه بطاقة العمل. ففي تجارب بصرية نابضة، يقدم د. عبدالعزيز الدقيل أطروحات تحتفي بتقنيات وسائطية معاصرة تتباهى بقدرة التفكير الحداثي الصيروري الأصيل، وتصاميم ذات حضور تجسد روح التاريخ والحضارة، والدفع بالحياة اليومية والشخوص وحياة الإنسان السعودي والعمارة والملابس والمجوهرات، ليعكف الفنان على الاستغراق والإبحار في استكشاف موضوعات تعضد «الذاكرة المكانية والهوية» وتعلي المحيط الجغرافي، بتجهيز عوالم خاصة متفردة تتحاور فيها عناصر ذات هوية تتوازى مع فكرة الفنان حول الموجودات في تعضيد لقيمة الوسائط والخامات المستخدمة، وتعظيم المفهوم الحداثي للفن بشكل يتسق والتطور العلمي، لدعم الرؤية التعبيرية والفنية وتحفيز الإبداع، ليتسم المشروع الفني لديه بتأطير تحولات راديكالية في بنية العمل تتسق وأيدولوجي العصر، وتشكيل أنساق تعلو بالأفكار والاسترسال في تعميق التعبير الذي ينطلق من الدراية بالتقنية. وذلك عبر تحطيم المادة والمداخل التركيبة من تفكيك العناصر لتجسيد التعبير والقوة الكامنة والحركة الديناميكية بتوظيف اتجاهات الخطوط والمساحات وتشعبها وقوة الألوان، سطر عبدالعزيز الدقيل عالماً يؤطر العناصر والمفردات التراثية عبر طاقية اللون وأشكاله التجريدية، ليستهدف الفنان بفكره الفلسفي مناهضة القيم الجمالية الاتباعية، ورفض النزعة العقلانية، مقابل رومانسية النزعة الذاتية، والمشاعر والتعبير والاحتفاء بأسطورية الأجواء المفعمة، باعتباره موهبة وخبرة أكاديمية وقدرة مكينة، تدشن تكوينات بنائية متحررة حيوية فاعلة، ودينامية التعبير، وأشروحات تعضد فلسفة العالم الرومانسي الغنائي الترميزي باختزال التفصيليات، لتأسيس الفهم والمعني والحدس، وتأطير صوفية المشهد بقيم مضافة. التجريدية التأملية لدى «زهير السعيد» ارتكل الفنان البحريني «زهير السعيد» لتصدير أعمال تأملية تجريدية، كأطروحات ذات أسلوبية حداثية تؤطر الحضور المتمايز، وتشحذ رؤية صوفي حالم داخل عوالم اللونية ذات الإيقاع الحالم، والبنائيات التي تستثير المخيلة، لولوج المتلقي وجدانياً عبر كتل وخطوط وإيقاعات تدعم ميثولوجي الأجواء، والاستنادية لإطارات معبأة بأجواء صوفية روحانية، في انحياز لبلورة أسلوبية ممنهجة تمازج الأصالة وطلاقة الفكر مع حداثه نابضة ومفاهيمية تشخص الحقيقة، والنحو عن الترجمة المباشرة للموجودات والتلميحات المفاهيمية المباشرة. فأصبح هناك ميل احترافي لدى «زهير السعيد» للارتكال لدراما اللون والأشكال الموحية المعبأة بأجواء وطقوس روحانية، تعلي الأصالة، وتوظف تقنيات بصرية معاصرة، يتفاعل معها إيقاع حركي مفاهيمي متنامٍ في رد وتجاوب وتكامل واتساق متوازٍ مع المنظومة الكلية لصياغة أفكار متناغمة تؤثر على الإدراك البصري، وإثراء القيم التعبيرية والجمالية للعمل، لتصدير طرق الجذب والإثارة الحداثية، وإحداث التغيير في مواصفات المدرك الجمالي. وفي مواكبة جادة للعصر والاتساق مع التقنيات المستحدثة، والاحتفاء بمراوغاته ورحلاته التجريبية الفنية، استعرض زهير السعيد قيماً تشكيلية ودراما تعبيرية راديكالية ذات وحدة أسلوبية رابطة دالة داخل النطاق التصويري، ليمثل الفنان قيمة مضافة إلى ذلك الخضم الفني والمدرك الإبداعي في سياق تاريخ الفنون العربي، لتنبسط في جل أعماله قدرة حيوية في عمليات التجريب والتباديل والتوافيق، والمزج الساحر ما بين القاتم والفاتح، وبين تلقائية الأداء وصرامة البنائيات، وزيادة الصلة بين الطرح والاستقبال العاطفي للجمهور. *الأستاذ المساعد بكلية التصاميم والفنون - جامعة أم القرى أعمال تأملية تجريدية للفنان زهير السعيد الغنائية الترميزية للفنان عبدالعزيز الدقيل