تُعرّف البلاغة بأنها: العِلم الذي تُعرف به فصاحة الكلام، مع مُناسبته للمقام، ووفائه بالمعنى المُراد، مع جمال الأسلوب. وقد قال الجاحظ: «المعاني مطروحة في الطريق، وإنما الشأن في تخيّر اللفظ، وسهولة المخرج، وصحّة الطبع، وجودة السبك». وقال خالد بن صفوان في وصف البلاغة بإيجاز: «أن تقول فلا تُخطئ، وتُجيب فلا تُبطئ». فالتعبير الجيّد لا يقف عند حدّ اتّباع قواعد اللّغة، وتطبيق سائر الأحكام النحوية والصرفية، بل يتطلّب شيئاً آخراً يُكسبه روعةً أو تأثيراً وقوّةً، وهو ما يُعرف بالغرَض البلاغي، أو النمَط العالي من الكلام. والبلاغة ليست قواعد خاصّة تختلف فيها لُغة عن أخرى، وإنّما هي قائمة على مبادئ عامّة تشترك فيها مُعظم اللّغات. وبعبارة أخرى، أن التماس البلاغة، أو النمَط التعبيري العالي هو حاجة نفسية مُتأصّلة في طبيعة الإنسان. وقد حاول عُلماء البيان تبيان الوسائل اللازمة لهذه الغاية؛ فمنهم من نظر إليها من الوِجهة الصناعية، مُعتبراً إيّاها صناعة يُمكن إتقانها باتّباع بعض قواعد أو أحكام مُعيّنة، ولكن البلاغة، كما أسلفنا، لا تُقيّد بقيود، أو تُحدّد بحدود، وإنما هي مبادئ عقليّة يُهتدى بها. يقول أحد كبار الأدباء الإنجليز جوناثان سويفت: «إن البلاغة هي الكلام المُناسب في المكان المُناسب، لا يحجب معناه أو مرماه حجابٌ من الغموض، ولا يُعرض بأطمار رثّة من الألفاظ، ولا يتغلّب فيها الانفعال العاطفي على جودة التفكير». ولو راجعنا أقوال سائر النُقّاد الغربيين في وصفهم للنمَط العالي وخصائصه الرئيسة، لوجدناهم يُجمعون على أنه لا بُدّ في الأسلوب البلاغي من توخّي أمور، أهمّها: الاقتصاد والبساطة، وحُسن الالتئام والانسجام، والتّسامي والتنوّع. وفي كلّ ما سبق، تكلّم نُقّاد أدبنا العربي منذ قديم الزمان إلى الآن. فتراهُم يُشدّدون على الإيجاز، ومُطابقة الكلام لمُقتضى الحال، وتجنّب الإطالة والتكرار، والترفّع عن الابتذال، وتوخّي التّلاؤم بين الألفاظ والمعاني. ومن مُقابلة ما كتبه البلاغيّون في الشرق والغرب، نستدلّ على أن الخصائص البلاغية لا تنحصر في لُغة أو أُمّة، بل هي مُشترَكة بين اللّغات والأُمم. على أن البيانيين قد ضلّ بهم السبيل في بحثهم عن خصائص الأسلوب العالي، فجعلوا البلاغة عِلماً ذا قواعد، فأصبحتْ صناعة مُتكلّفة، كما حدث في الأدب العربي منذ القرن الرابع الهجري، إذ طغى فنّ السجع والبديع على الإنشاء، وأصبح التفنّن فيه غاية منشودة لذاتها، ولم تتحرّر منه الكتابة إلا في إبّان نهضتنا الحديثة. ومع ذلك فالبلاغة ترتكز على بعض الأُسس العقلية، وعنها قال العسكري في كتابه «الصناعتين»: «فإذا كان الكلام قد جمع العُذوبة والجزالة، والسُهولة والرصانة، مع السلاسة والنصاعة، واشتمل على الرونق والطلاوة، وورَد على الفهم الثاقب قَبِلَه ولم يرُدّه». وختاماً، نورد بعض أوصاف العرب البليغة الموجزة: * فُلان طاهر الثوب: أي مُنزّه عن السيّئات. * قويّ الظهر: أي كثير الأنصار. * طويل الذيل: أي غنيّ. * رحب الذراع: أي كثير المعروف. * طويل النجاد: أي طويل القامة. * كثير الرماد: أي كثير القِرى والكرم. * يُشار إليه بالبنان: كناية عن الشُهرة. * لا يضع العصا عن عاتقه: أي كثير الأسفار. * انتفخت أوداجه: كناية عن الغضب والثورة. * ارتاض فُلان بلِجام الدهر: أي وخَطه الشيب واكتهل. * لبس فُلان لفُلان جِلد النمر: أي أظهر له العداوة.