اِنطلقت أحلام مستغانمي في سيرتها الروائيّة "أصبحتُ أنتَ" ( نوفل - هاشيت أنطوان٬ ط.1. 2023) من موضوعتين: الأوّل علاقتها بالأب التي أسّست عبر سرديّات تجربتها معه لرؤيتها للرجل، والثانية علاقتها بمجتمعها والزمان والمكان كامرأة قيد التكوين. الثابت في هذه المدوّنة التكرار أو ربّما الاسترجاع الذي بات على ما يبدو لازمة في مجمل أعمال مستغانمي وهو تاريخ الجزائر السياسي المعاصر الذي يبدأ من الفصل الأخير من ثورة الجزائرين ضد المستعمر الفرنسي وتمتد لتصل لدخول التيارات الإسلاميّة المتشدّدة عمق المجتمع الجزائري. الشعريّة وتكرار ما سبق قد تكون هذه السرديّة لازمة سترافق كاتبة "ذاكرة الجسد" ممّا يجعلها أسيرة حقبة لا تتجاوزها ولا تستطيع خلق ما هو مختلف من خلالها، وقد تبرّر لها بفعل الثيمة التي وظفتها وهي العلاقة بالأب، خاصّة أن مستغانمي في هذه السيرة الروائيّة خلقت مساحة كبرى لمروحة مصارحتها تجاه نفسها وتجاه المتلقّي، ممّا أجبرها على كسر التناسق السردي بين الفصول، فكنّا أمام ما يشبه "شهيًّا كفراق" لكن بتماسك وشاعريّة أكثر. والشعريّة أو الشاعريّة في هذا العمل "أصبحتُ أنت" أعادتنا إلى مناخ ثلاثيّتها الشهيرة خصوصًا بجزأيها الأوّل والثالث، حيث الوجدانيّة والرومنطيقيّة طغت لتجعلنا أمام فتاة مغرمة برجولة والدها لا مجرّد ناقلة لصور حقيقيّة من حياة كاتبة، ناهيك عن أنّ هذه الشعريّة بتداخلها مع أعمال سابقة قد عرّت دواخل النّص حين أظهرت استخدام نفس العبارات والأقوال في ذاكرة الجسد أو على الأقل الاستشهاد بنفس الكتاب مالك حداد / نزار قبّاني/ رولان بارت، إلخ. وهذا ما يجعل الكاتبة تتأرجح بين التكرار والتقيّد من جهة وما بين الإصرار على ذات النهج الكتابي والعرض المعرفي المكروه من جهة الإفراط به من ناحية أخرى. ردًّا على ما سبق تشكّل هذه السيرة ردًّا قاسيًا وواضحًا على اتّهام قديم جديد للكاتبة بأنّها محرّضة على الرجال ومحاربة لهم، على الرغم من جعل خالد بن طبال راويًا أساسيًّا ووحيدًا وشخصيّة رئيسة في ذاكرة الجسد، وردّها الواضح في "شهيًّا كفراق" على هذا الاتهام فضلاً عن تعلقها بشعراء رجال كنزار قبّاني التي ربطتها صداقة به، إلا أن مستغانمي اِحتاجت رسم والدها بعين أنثويّة بعيدة من منطق البنوّة قريبة من الوجدانيّة والرومنطيقيّة والاإعجاب والنقد السلوكي (نقدها لبعض سلوكيّاته الموروثة وطباعه). لم تستطع مستغانمي أن تقدّم نفسها للقارئ بنسخة جديدة، ولم تثر على سياقها السردي، لكنّها حافظت على ملامحها الروائيّة بجرأة وتفاصيل أكثر، ورغم التكرار للعرض المعرفي شكلًا وجوهرًا إلّا أنها بقيت على حافة الكتابة تطرح هواجسها في وحدات سرديّة عديدة: هل الكتابة تخلّص من الماضي أم كتابة جديدة للألم؟