في كل عام يكون مزارعو النخيل على موعد مع "صرام" النخيل، ويقصد بذلك جني الرطب بعد نضجه تماماً وتحوله تمراً، وتكون بداية ذلك مع دخول نجم سهيل والذي ارتبط لدى مزارعي النخيل بالمقولة الشهيرة: "إذا دخل سهيل تلمس التمر بالليل"، كناية عن بداية موعد نضج التمور، وبالتالي العمل على جنيها، وفي السابق منذ عقود من الزمن خاصةً في أيام الجوع كان الاهتمام بالنخلة كبيراً ويستمر طوال العام، وقد كانت النخلة تعني لجيل الأجداد الأمن الغذائي الذي كانوا ينشدونه على الدوام في مواجهة الجوع والفقر والفاقة، لذا لا عجب في أن يصرفوا لها جل عنايتهم طوال أيام السنة بالسقيا والتهذيب، وكان من يملك منهم حائطاً أو بستاناً من النخيل يعد من أصحاب الأموال الذي له صيت وجاه في بلدته، ولأهمية النخلة في حياة الناس فقد كانت أفضل ما يغرسه الناس في منازلهم أو مزارعهم، وذلك لما تمثله من غذاء ومنافع متعددة، فما أن يبدأ طلع النخل حتى يتم جرد "عسبانها" من الشوك حتى لا تؤذي أثناء عملية "التلقيح" من قبل المزارعين، ومن ثم بعد أن يتم عمل التلقيح وخلال بدء ظهور الثمر بحبات صغيرة تسمى "الدرار" يتم توزيع "العذوق" التي تحمل الثمر على "عسبان" النخل، وذلك بتوسيطها على العسيب حتى يحمله ولا ينكسر من ثقل الثمر خلال النضوج، ويستمر سقي النخيل حسب حرارة الجو، والذي غالباً يكون يومياً، ثم بعد ذلك يتم العناية بالنخلة وتشذيب الجريد اليابس، وبعد نضوج التمر تتم عملية جني الثمر الناضج كل يوم في وقت برودة الجو في الصباح الباكر أو قبل غروب الشمس، وفي نهاية موسم جني التمر تتم عملية "الصرام"، وذلك بجز كامل "عذوق" التمر وإنزالها بعد أن أصبحت تمراً، ويكون بداية ذلك مع دخول نجم سهيل، ومن ثم تأتي عملية وضع التمور في "جصة" البيت لخزنها للأكل منها طوال العام، أو رص التمور في "قلال" التمر وهي وعاء مصنوع من "سعف" النخل، وبعد تحسن الحالة الاقتصادية في البلاد قلَّ الاعتماد على التمور كطعام أساسي يومي بعد أن استحدثت الوظائف الحكومية وفتح باب الاستيراد للسلع المختلفة ومن ضمنها الأطعمة المختلفة قل عمل المواطنين في صرام النخيل وتولى ذلك العمالة الوافدة التي استقدمت لرعاية المزارع ونخيل التمور. أفراد الأسرة وكان موسم صرام تمر النخيل فيما مضى منذ عقود من الزمن يتم الاستعداد له من كافة أفراد الأسرة صغيرهم وكبيرهم، حيث يشدون الرحال من منازلهم إلى مزارعهم والتي لا يتجاوز عدد أشجار النخيل بها سوى عشراً أو أكثر بقليل على أحسن الأحوال شبه خالية مدة بداية "خراف" النخيل، أي جني ثماره وحتى موعد صرامه، وتبلغ تلك المدة ثلاثة أشهر، حيث يقيمون في مزارعهم ويسكنون فيها في غرف صغيرة، ولا يغادرون المزارع حتى يجمعون آخر التمر، ففي كل يوم يقومون بخراف النخل وسقياه وتهذيبه وتشذيبه، وعندما ينضج تمر النخلة يقومون بفرش "حصير"، أو أي بساط ومن ثم يقومون بجذاذ عذوق التمر بعد أن يربطوها بحبل ثم ينزلوها على الحصير أو البساط الذي يستقبل ما يتساقط من العذق عند الشروع بقطع وجذ العذق، ومن ثم يقومون بجمع التمر في "زبيل" مصنوع من سعف النخيل ويحملونه إلى منازلهم، وبعد نهاية موسم الصرام يقومون بجمعه استعداداً لملأ "جصة" التمر منه لتكفيهم للأكل طوال العام إلى موعد جني المحصول في العام القادم. خضري وسلّج وكان بيع التمر قديماً عن طريق شراء ثمر النخلة مع بداية نضوجه، فترى من ليس لديه نخل يتجه إلى أحد أصحاب مزارع النخل وينتقي أحدها، خاصةً من النوع الذي يرغبه، وغالباً ما يكون من أطيب الأنواع المتوفرة قديماً مثل أنواع "الخضري" و"السلّج" و"الصقعي" و"الدخيني" و"المقفزي" وغيرها، ومن ثم يتفق مع صاحب المزرعة على شراء ثمر هذه النخلة ويعطيه الثمن، ومن ثم يتولى المشتري "خراف" النخلة بنفسه، فيأتي في أي وقت يشاء ويقوم بجني الثمار من عذوقها التي قد تبلغ عشرة أو أكثر، فيأخذ في كل يوم قدر حاجته وأبنائه، وقد يرسل المشتري أحد أبنائه لخراف النخلة أو أحد أقاربه، ويستمر الحال حتى يقوم بصرام تمر النخلة، وبعد ذلك ينتهي العقد الذي بينه وبين صاحب المزرعة وتعود النخلة إلى صاحبها الذي يقوم بالعناية بها حتى تحمل بثمر جديد من العام القادم ليقوم ببيعه على من يشاء، وقد يتبقى لبعض المزارعين عدد من النخيل التي لم يبع ثمرها فيقوم هو بجني ثمرها بنفسه ومن ثم يجلبه إلى السوق ويعرضه في "سطول" صغيرة من الحديد، أو في صناديق من الخشب أو في "زبيل" ويبيعه بما شاء. تخزين الجصة وكانت طريقة حفظ التمر قديماً بعد أن ينضج ويكون رطباً بعد صرامه تتم بطريقتين، الأولى عن طريق تخزينه في "الجصة" حيث يختار صاحب المنزل مكاناً قصياً لبناء "الجِصة" ويحرص أن يكون بارداً وجافاً، ثم اختيار زاوية في الغرفة ليتم عمل أساس لجدرانها، فترتفع بداية أرضيتها ذراعاً أو تزيد بمقاييس البناء القديم، وذلك لعدم وجود أدوات قياس كحال البنائين اليوم، فالذراع يماثل نصف المتر تقريباً، ومن ثم تبنى الجدران في الداخل ب"حصى" سماكتها صغيرة تسمى "الفرش"، فيرتفع البناء ما يقارب المتر، فيتم سقف سطحها بالفروش من الحصى، وتبنى الجدران الخارجية باللبن والطين، بحيث يكون باب "الجِصة" معتدل الطول، كطول قامة الإنسان، أي عندما يقف من يريد إخراج التمر منها يكون الباب فوق وسطه، ليسهل عليه إخراج التمر بيسر وسهولة، وتقسم أرضية "الجصة" إلى نصفين بفرش من الحجر كبير في منتصفها طولاً، لوضع نوعين من التمر فيها، وقد يعمد البعض إلى تقسيمها إلى أربعة أقسام، إذا كان يملك أربعة أنواع من التمر وكان من الموسرين، وتكون "الجِصة" المقسمة إلى أربعة أقسام كبيرة الحجم بالنسبة إلى التي يتم تقسيمها إلى نصفين، حيث يحظى نوع من التمور بأهمية خاصة لدى الناس وهو نوع "الخضري"، الذي يُعد طيب المذاق، فلا يخلط معه شيء حتى لا يفسده، أما الأنواع الأخرى فتخلط ببعضها الآخر في القسم الثاني، ويطلق عليها عامة الناس والمزارعين اسم "الدقل"، أي التي تتشابه مع بعضها في الحجم واللون والطعم، كنوع "المقفزي" و"الحلوة" و"الصقعي" و"السلّج" وما شابهها، حيث تكون صغيرة الحجم وأقل إقبالاً عند الأكل، بل وتكاد تخصص لأكل أهل البيت فقط لا للضيوف، بعد ذلك تجصص جوانبها ويوضع في أسفلها ثقب صغير يسمح بخروج "دبس التمر" بعد رصّه، وأخيراً يوضع الباب المصنوع من الخشب بدقة متناهية، وقد يكون مزخرفاً حسب حالة صاحب البناء المادية، ويكون للباب قفل من الخشب، لضمان عدم وصول من في المنزل إليه إلاّ عند الحاجة، وبعد أن ينتهي البناء يتم مسح جدران الجِصة بالدبس، حتى تغلق مساماته، فيصبح نظيفاً وذا ملمس ناعم، يسمح بإخراج التمر بيسر وسهولة. تعبئة القلّة وتسبق عملية رص التمور تنظيفها في قدور كبيرة، حيث تغسل بالماء البارد، ومن ثم توضع في "زبيل" -مصنوع من خوص النخل- لتجف من الماء، ومن ثم توضع في الجِصة، أمّا الماء الباقي من غسيل التمر، فلا يتم التخلص منه، بل يقدم شراباً للماشية، بعد رص التمر، ويوضع عدد من جريد النخل وهي خضراء بعد غسلها فوق التمر مباشرة، ويتم إغلاق باب الجِصة كعمل نهائي، وبعد أيام يخرج من الثقب الذي في أسفل الجصة الماء الزائد فيصب في جفرة تسمى "جفرة الدبس"، أمّا الطريقة الثانية فهي حفظ التمور عن طريق تعبئتها وتغليفها بعبوات خاصة وبأحجام مختلفة وتدعى هذه الطريقة بالضمد -الكنز-، وطريقة كنز التمور تتم على مراحل، حيث أولها فرز التمر وتصنيفه حسب حجمه ولونه ونسبة رطوبته بحيث لا تتعدى 30 %، وفي الثانية يتم تنظيف التمر وإزالة الشوائب الموجودة على سطحها كالغبار وغيرها، بعد ذلك وفي المرحلة الثالثة يتم غسيل التمر عن طريق مصفى مثقب -منخل-، حيث يغمر التمر في ماء لإزالة الأتربة والغبار ثم يرفع بسرعة وينشر حتى يجف قليلاً، بعد ذلك وفي المرحلة الرابعة والأخيرة تعبأ التمور في "القلة"، وهي وعاء مصنوع من خوص النخل تشبه الكيس، وبعد تعبئته يتم ضغطه بحجارة ويترك لأيام حتى يظهر الدبس على جانبيها. مصانع تعبئة ومع تقدم الزمن وتغير حياة الناس وقلة اعتمادهم على التمر كطعام رئيس بعد أن تحسنت الحالة الاقتصادية للبلاد بعد اكتشاف النفط، وانشغال الناس في الوظائف الحكومية والأعمال التجارية، فقد هجر العديد مزارعهم واستغنوا عن العمل فيها بأنفسهم، وتم استقدام العمالة الوافدة التي باتت تتولى العمل فيها والعناية بالنخيل والمزروعات الأخرى، ومع تقدم التقنية فقد بات "صرام" ثمر النخيل ميسراً، حيث بات العمال يصرمون عذوق النخل بقطعها مباشرة عند نضجها من أعلى النخلة، ويكون كل عذق مربوطاً بكيس بلاستيكي مشبك لغرض حماية الثمار من مهاجمة الطيور والمحافظة على قيمتها التسويقية، ومن ثم يقومون بجمعها في صناديق والذهاب بها إلى مصانع تعبئة وتغليف التمور والتي انتشرت في المناطق والمحافظات كافة. إنتاج عالمي وتحتضن المملكة ما يزيد على 33 مليون نخلة وأكثر من 123 ألف حيازة زراعية تنتج أكثر من 1.5 مليون طن من التمور كل عام، وتأتي المملكة في المركز الثاني عالمياً كأكثر الدول المنتجة للتمور، كما وصلت صادراتها من التمور في عام 2020م إلى 215 ألف طن، صُدّرت إلى أكثر من 107 دُوَل، ونمت قيمة الصادرات بنسبة 7.1% بقيمة 927 مليون ريال، ويسهم قطاع النخيل والتمور السعودي في كثير من الصناعات التحويلية والأغذية ليشمل بذلك الأغذية والأعلاف والصناعات الأخرى كالمنتجات الطبية والتجميلية وصناعات مواد البناء، ويبلغ عدد مصانع التمور في المملكة 157 مصنعاً، وأطلقت المملكة علامة التمور السعودية في أكتوبر 2018م، وهي علامة تجارية تهدف لضمان جودة المنتج ورفع القيمة السوقية وزيادة نسبة صادرات المملكة من التمور ذات الجودة العالية، ومن أجود أنواع التمور "الخلاص" وهو نوع من أنواع التمور تشتهر به منطقة القصيم ومحافظتا الخرج والأحساء، ويتميز بالحفاظ على نكهته الطيبة بعد فترة طويلة من تخزينه، وله لون أصفر مشمشي، حلو المذاق، ويقدم عادة مع القهوة العربية في المناسبات، كما اشتهرت تمور "العجوة" في المدينةالمنورة، وقد لاقت شهرة واسعة كونها ذكرت في السنة النبوية، وتنتج مزارع المدينة من العجوة 20-30 طن يوميًا، وتتصدر قائمة التمور التي يتم تصديرها خارج المملكة بمعدل 100 طن سنويًا، وتعرف بأن لها نوعين هما: الطويل "أبو ذراع"، و"المدردمة" -المدور- وأن لونها يميلُ إلى السواد، وفي عام 2016م، أنشأت جامعة طيبة أول كرسي يختص بأبحاث عجوة المدينة. مهرجانات سنوية ويتم سنوياً إقامة العديد من مهرجانات التمور ومن أهمها مهرجان بريدة للتمور، وهو سوق موسمي يقام كل عام عندما تنضج التمور في المنطقة، ويبدأ عادة مع بداية شهر أغسطس ويستمر لشهرين إلى ثلاثة أشهر، ويتميز هذا السوق بأنه الأكبر في العالم من حيث العرض، حيث تقدر مبيعاته اليومية ب18,000,000 ريال سعودي، وتبلغ 2,000,000,000 ريال سعودي سنويًا، كما أن أصناف التمور تتجاوز الثلاثين صنف، يقع هذا السوق على طريق الملك عبدالعزيز جنوباً في مدينة بريدة، وهناك أيضاً مهرجان المدينةالمنورة الدولي للتمور المدينةالمنورة، والذي انطلق في نسخته الأولى عام 2018م، ويحمل المهرجان شعار "تمورنا بركة"، ومهرجان عنيزة وهو مهرجان دولي لتسويق التمور، يقام سنوياً شرق محافظة عنيزة في منطقة القصيم على مساحة 75 ألف م2، ويستمر لمدة شهرين من بداية شهر أغسطس، ويعد من الأسواق المهمة ومنصة لتصدير التمور داخل المملكة وخارجها، وقد انطلقت النسخة الأولى منه عام 2005م، كذلك مهرجان الجوف والذي أقيم في نسخته الأولى في عام 2014م ومقره في محافظة دومة الجندل، والعديد من المهرجانات السنوية في مناطق ومحافظات المملكة كافة. الجصة مكان تخزين التمور في المنزل المملكة تنتج أكثر من 1.5 مليون طن من التمور كل عام مصانع التمور ساهمت في تسهيل عملية التعبئة