تجسد «الجصة» براعة مزارعي منطقة القصيم في الفن المعماري، إذ استطاعوا تشييد بناء يحفظون فيه الثمار لمواسم عدة، بطرق آمنة، من خلال وضعها في «الجصة» التي تعتبر ابتكارا مثاليا، وهي عبارة عن غرفة صغيرة يقارب ارتفاعها المترين وبعرض المتر تقريبا، ولها باب صغير في مقدمتها وفتحة صغيرة بأسفلها، يسيل من خلالها «الدبس» السائل الذي يفرزه التمر الشبيه بالعسل طعما ولونا، والناتج من تراكم التمر الرطب داخل الجصة. ودفعت الحاجة مزارعي القصيم لابتكار «الجصة»، في ظل غياب وسائل التبريد الضامنة لحفظ التمور، إذ تقي «الجصة» التمور من الشوائب التي تؤثر سلبا على جودتها أو نضوجها. وأوضح سالم السعدون أن الطين هو المادة الأساسية في البناء، ثم تطلى من الداخل بالجص الأبيض لحفظ التمر من الضرر، مشيرا إلى أن ارتفاع «الجصة» وعرضها يخضعان في أحيان لكثرة أو قلة التمر، مفيدا بأن التمر يوضع في الجصة بعد أن ينضج في مرحلة تأتي بعد موسم «الصرام». وأوضح أن التمر يوضع في «الجصة» على دفعات حتى تمتلئ، ثم يرش بالماء ليسهل انسياب «الدبس» من الفتحة الصغيرة الموجودة بأسفل «الجصة»، ويكرر ذلك حتى يتشربه بالكامل، كما يستفاد منه لطلي جدار «الجصة» فيسهل من عملية استخراج التمر ويساعد في سد الفتحات والتشققات الممكن وجودها في جدران البناء. وبين أن مرحلة رص التمر تبدأ بوضع حصير فوقه داخل «الجصة» ويرص بعدد من الأحجار، ومن ثم يحكم إغلاقها، ومتى ما احتاج صاحب المنزل أن يأكل منها تفتح وتغلق بإحكام. من جانبه أبان محمد اليوسف أحد تجار التمور أن آلات رص التمور الحديثة والبرادات أغنتهم عن استعمال «الجصة»، لاسيما مع كميات التمور المنتجة في الوقت الحاضر التي يتطلب حفظها وتخزينها مساحة أكبر من «الجصة»، مشيرا إلى أن عناية مصانع تعبئة وتغليف التمور بطرق التخزين، تضمن منتجا طوال العام بجودة عالية. فيما لا يزال المزارع مبارك المرشد يحرص على استخدام «الجصة»، كغيره من المزارعين القدامى، على الرغم من أن الوقت الحاضر يعج بالمصانع المهتمة بتخزين وحفظ التمور بالطرق الحديثة، لتحقيق الجودة العالية والربح الأكبر من بيع منتجات النخيل من الرطب أو التمور.