ما تزال معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير مقارنة بنظرائها من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وكافة أنحاء العالم. وبصفة عامة، تباطأت وتيرة التضخم العالمي تدريجياً في العام 2023 مقارنة بالعام 2022 فيما يعزى بصفة رئيسية إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية وتراجع أسعار الطاقة وتقلص الطلب العالمي على خلفية سياسات التشديد النقدي. وقد ساهمت العوامل الجيوسياسية الرئيسية، مثل استئناف صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية في إطار مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، التي انهارت مؤخراً، في انخفاض أسعار المواد الغذائية العالمية. إلا أنه على الرغم من الاتجاه الهبوطي الذي شهدته معدلات التضخم على مدار السبعة أشهر الأولى من العام الحالي، يبدو أن معدل التضخم الكلي العالمي قد بلغ ذروته في حين ظل التضخم الأساسي العالمي أعلى بكثير من المستويات المستهدفة للبنوك المركزية، ووفقاً لتقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي الصادر مؤخراً عن صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينخفض التضخم الكلي العالمي من نسبة 8.7 في المئة في العام 2022 إلى 6.8 في المئة في العام 2023 و5.2 في المئة في العام 2024. ومن جانب آخر، من المتوقع أن ينخفض متوسط التضخم الأساسي العالمي من 6.5 في المئة على أساس سنوي في العام 2022 إلى 6 في المئة في العام 2023 وإلى 4.7 في المئة في العام 2024، بما يعكس انخفاض معدل التضخم الكلي بوتيرة أكثر بطئاً. ويعزى استمرار التضخم الأساسي العالمي بصفة رئيسية إلى الدول المتقدمة حيث لا يزال التضخم الأساسي مرتفعاً على الرغم من التراجع الواضح الذي يشهده التضخم الكلي. ووفقاً لبلومبيرج وبحوث كامكو إنفست وصندوق النقد الدولي، فعلى صعيد التغيرات التي طرأت على الفئات الفرعية للتضخم، فقد كانت الفئة الفرعية للأغذية والمشروبات من أبرز المؤشرات الفرعية من حيث الثقل الوزني أو التراجع التدريجي على مستوى المؤشرات الفرعية للتضخم في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد ظل أداء الفئة الفرعية للمواد الغذائية والمشروبات مستقراً على مستوى كافة دول مجلس التعاون الخليجي تقريباً، وسجل عنصر المواد الغذائية والمشروبات ضمن مؤشر أسعار المستهلكين في الكويت نمواً شهرياً بنسبة 6.3 في المئة على أساس سنوي في يونيو 2023، في حين احتلت السعودية المرتبة الثانية بنمو بنسبة 1.0 في المئة خلال الشهر. مؤشر الإسكان وقد اتخذ تضخم الفئة الفرعية لمؤشر الإسكان الخليجي اتجاهاً تصاعدياً على خلفية تسجيل السعودية لنمو بنسبة 9.1 في المئة على أساس سنوي، تبعتها الكويت بتسجيلها لمعدل نمو بنسبة 3.2 في المئة على أساس سنوي في يونيو 2023. وبالمثل، ارتفعت أسعار السكن في دبي بنسبة 6.1 في المئة خلال نفس الفترة. أما بالنسبة للفئة الفرعية لمؤشر الاتصالات، فقد كان الوضع عكس ذلك، إذ انخفض المؤشر الفرعي لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي. وسجلت كل من السعودية وقطر تراجعاً في مؤشر تضخم الاتصالات بنسبة 0.7 في المئة و4.0 في المئة على أساس سنوي في يونيو 2023، على التوالي. وبالنسبة لفئة التعليم، اتخذ التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً مساراً هبوطياً. حيث انخفضت تكاليف التعليم في السعودية بعد تسجيلها نمواً بنسبة 19 في المئة في يونيو 2022، لتتجه إلى تسجيل معدل نمو متواضع بنسبة 0.4 في المئة في يونيو 2023، مما ساهم في تعزيز معدل التراجع الإجمالي لمؤشر أسعار المستهلكين في المملكة خلال هذه الفترة. كما انخفضت الفئة الفرعية لمؤشر أسعار المستهلكين للتعليم في الكويت من 6.2 في الماة في يونيو 2022 إلى 3 في المئة فقط في يونيو 2023. واتخذت أسعار المواد الغذائية العالمية مساراً هبوطياً خلال العام 2023. وشهد مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء ارتفاعاً للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر في يوليو 2023 ووصل إلى 123.9 نقطة. وتعزى هذه الزيادة بصفة رئيسية إلى ارتفاع أسعار الزيوت النباتية بنسبة 12.1 في المئة، والذي كان مدفوعاً بصفة رئيسية بزيادة الأسعار العالمية لزيت الصويا وزيت دوار الشمس وزيت النخيل. وفي هذا السياق، وصل مؤشر الفاو لأسعار الغذاء إلى 122.4 نقطة في يونيو 2023، فيما يعد أدنى مستوياته المسجلة منذ أبريل 2021. كما انخفضت أسعار السكر ومنتجات الألبان والحبوب خلال شهر يوليو 2023. وساهمت إجراءات الدعم المطبقة في أسواق معينة مثل الاتحاد الأوروبي في خفض تكلفة بعض المواد الغذائية مثل منتجات الألبان التي سجلت انخفاضاً للشهر السابع على التوالي في يوليو 2023. وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مرة أخرى برفع سعر الفائدة في يوليو 2023 بعد تعليقها مؤقتاً في يونيو 2023، وذلك في إطار مساعيه لكبح جماح التضخم. وبتلك الخطوة الأخيرة، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة بنسبة 0.25 في المئة وصولاً إلى نطاق جديد يتراوح بين 5.25 - 5.5 في المئة، وليصل بذلك سعر الاقتراض لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ 22 عاماً. وفي إطار استجابتها لقرارات رفع سعر الفائدة التي طبقها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وقامت البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً برفع أسعار الاقتراض القياسية. حيث قام البنك المركزي الإماراتي برفع سعر الأساس على تسهيلات الإيداع لليلة واحدة بنسبة 0.25 في المئة (25 نقطة أساس) ليصل إلى 5.40 في المئة. كما أبقت الإمارات على السعر الذي ينطبق على اقتراض سيولة قصيرة الأجل من المصرف المركزي عند نصف نقطة مئوية فوق السعر الأساسي. وبالمثل، قام البنك المركزي السعودي (ساما) أيضاً برفع سعر الفائدة بمعدل مماثل لما طبقه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي من خلال رفعه لمعدلات إعادة الشراء والريبو العكسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 6.0 في المئة بزيادة قدرها 100 نقطة أساس. ورفع مصرف البحرين المركزي سعر الفائدة على الودائع لليلة واحدة بنسبة 0.25 في المائة إلى 6 في المئة، إلا أنه قرر الإبقاء على سعر الفائدة على الودائع لفترة أربعة أسابيع عند 6.75 في المئة وسعر الإقراض عند 7 في المئة. وبالمثل، قامت البنوك المركزية في الكويت وقطر وعمان برفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية لتتناسب مع ارتفاع أسعار الفائدة التي أعلنها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في يوليو 2023. وقد ارتفع الرقم القياسي السنوي لمؤشر أسعار المستهلكين في السعودية لشهر يوليو 2023 بنسبة 2.3 في المئة مقابل 2.7 في المئة في يوليو 2022، ويعزى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بصفة رئيسية إلى تزايد أسعار الفئات الفرعية للإسكان والمياه والكهرباء وأنواع الوقود الأخرى بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار الخاصة بالفئة الفرعية لمؤشر المواد الغذائية والمشروبات. ووفقاً للهيئة العامة للإحصاء، ارتفعت الإيجارات الفعلية للمساكن في السعودية بنسبة 10.3 في المائة خلال شهر يوليو 2023، مما يعكس نمو إيجارات الشقق بنسبة 21.1 في المئة ويؤكد أهمية الدور الذي تلعبه فئة الإسكان في الأداء العام لمؤشر أسعار المستهلكين. كما سجل مؤشر المواد الغذائية والمشروبات، والذي يحتل المركز الثاني كأعلى ثقل وزني ضمن مؤشر أسعار المستهلكين (18.8 في المئة من أجمالي وزن المؤشر)، نمواً بنسبة 1.4 في المئة خلال شهر يوليو 2023، ويعزى نمو مؤشر المواد الغذائية والمشروبات بصفة رئيسية إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن (+1.9 في المئة) بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الحليب ومنتجات الألبان والبيض بنسبة 6.8 في المئة خلال الشهر.أما من حيث التغير على أساس شهري، شهد مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة نمواً هامشياً بنسبة 0.1 في المئة خلال شهر يوليو 2023 مقارنة بشهر يونيو 2023. وساهم في رفع مستوى النمو الشهري لمؤشر أسعار المستهلكين في المملكة بصفة رئيسية الزيادات الهامشية التي شهدتها أسعار الإسكان والمياه والغاز والكهرباء بنسبة 0.3 في المئة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات الفعلية للمساكن التي شهدت نمواً على أساس شهري بنسبة 0.3 في المئة.