في هذه الرحلة، سأشارك تجربتي الشخصية بعد فقداني لأبي، وكيف أثرت هذه التجربة على إدراكي لعدة مفاهيم وحقائق في الدنيا، سأتحدث عن مراحل رحلة المواجهة التي مررت بها، بدءًا من الإنكار وصولاً إلى التسليم والتعايش مع الفقد إلى غير ذلك من المراحل التي ستساهم في منحنا فرصة للتعلم والنمو الشخصي، وأن نجاحنا في التعامل مع الظروف والمواقف الصعبة يعكس مدى قوتنا وإرادتنا في تحقيق المستهدفات وجودة الحياة والسعادة والارتقاء بأنفسنا. بدايةً، لقد تعلمت من رحيل أبي أن تجربة الفقد مؤلمة، وأدركت أن هناك مراحل مختلفة يمر بها الإنسان عندما يمر بمثل تلك التجارب التي تستهلها بالإنكار، فلا يصدق الشخص أن الفقدان حدث فعلاً، ثم يلي ذلك الغضب، حيث يشعر الشخص بالانزعاج والاستياء من الوضع، بعدها يأتي التحليل، حيث يفهم الشخص أن الفقد ليس سوى جزء من دورة الحياة ولا يمكن تغييره، ثم يأتي التسليم، حيث يتوصل الشخص إلى قبول الفقد ويسعى للتكيف معه، ومن ثم تأتي خيارات الشخص، حيث يختار كيف سيعيش في الدنيا بعد الفقد، وأخيراً تأتي مرحلة التعايش مع الفقد، فيتعلم الشخص كيف يعيش في الدنيا بعد الفقد ومدى قدرته للاستمتاع بالأشياء الجديدة والتي تطرأ وتأتي خلال مشوار حياته. لقد كشفت لي تجربتي في فقد الأب أيضًا بعض الحقائق الأخرى، فعرفت أن التعلق هو شعور رائع، لكنه في الوقت نفسه يجلب معه الكثير من الألم في حالة الفقد، وفي المقابل تعلّمت أن المحبة والعشرة هي شعور وأحاسيس نبيلة، كما أدركت أن الدنيا هي مجرد رحلة، وأننا جميعًا قادتها، وعلينا أن نقودها بحياد وبأسلوب يجعلنا نشعر بالحب والرضا والفخر المتجدد. تأكدت أيضًا من أن الغربة ليست غربة السفر فقط، بل إنها أيضًا غربة الفقد والغياب عن الأحبة في هذه الحياة، وفي السياق نفسه، تعلمت أن هناك فرقًا بين الموت والوفاة، فالموت حقيقة لا يمكن تغييرها، ولكن الوفاة هي حالة وجدانية، حيث نحتفظ بوجود الأحباب في قلوبنا وأفكارنا. أيقنت أن التعلم الأكثر أهمية هو أن بر الوالدين فعل يمتد لفترة طويلة قبل وبعد الفقد، وهو ليس مجرد تفاعلات ومشاعر وطقوس، بل هو كيفية تكريم واحترام آبائنا والاهتمام بهم أثناء حياتهم وبعد مماتهم بالمحافظة على القيم نفسها ورغباتهم الصحيحة في حياتهم. لقد أدركت أيضًا أن هناك فرقاً بين الحزن والدراما، فالحزن هو مزيج من المشاعر المختلفة التي تتراوح بين الصدمة وإجراءات التوديع ومراسم الدفن والعزاء وتفاعلات الآخرين مع هذا المشهد، وأن الحزن ليس شعوراً ينتهي بسهولة بل يحتاج إلى الوقت والمساعدة والدعم للتغلب عليه، أما الدراما والخيال والتخيل هو اضطراب نفسي يتطلب تدخل شخص مختص وبرنامج علاجي. بعد فقد أبي أصبحت لدي قدرة ناضجة في التفريق بين التضحية والتنازل والتسامح والإصلاح، فالتضحية تعبر عن التفاني والتضحية لمصلحة الآخرين، بينما التنازل يتطلب التصالح وتقديم تنازلات للوصول إلى حل وسط، أما التسامح والإصلاح هما أيضًا عناصر أساسية في بناء علاقات صحية وسليمة ودائمة، وكما يقال: «لجل عين تكرم مدينة». كما عرفت أيضًا أن الأبوة والأمومة والأخوة ليست مجرد صلة بيولوجية، بل تحتاج إلى بناء علاقة قوية وأساسية بين الوالدين وأبنائهم وبين الأخوة، وذلك في إطار أسرة واحدة عمودها الأساسي هو العشرة والمودة والمحبة التي تجمعهم وتغذيهم. أخيرًا، تعلمت أنه من الضروري تحديد سقف التوقعات من الأشخاص المقربين إلينا، فعندما نحدد توقعاتنا مسبقاً، نتجنب الإحباط وخيبة الأمل التي قد تحدث عندما لا يستوفي الآخرون مستوى توقعاتنا منهم. ختاماً، تجربة فقدان الأب كشفت لي الكثير من الحقائق والمعاني القيمة في الدنيا، فقد علمتني أن قيمة الأسرة ليست في عددها، بل في تعاطفها وجودها، وأن الجميع يجب أن يساهموا في بناء المجتمع ويكونوا جزءًا نشطًا ومفيدًا لا مجرد ملك لوالديهم، كما علمتني أيضًا أهمية النجاح والتحصيل العلمي وتحقيق الأهداف الحياتية، وكيفية التعامل مع الصعاب والتحديات وصناعة رقم وجود، وتحفيز الشغف وكيف نحافظ على الاستدامة بالاتزان والتوازن وتكملة رحلة الدنيا والهبوط بكل أمان وسلام. أتمنى لكم رحلة سعادة دائمة بصحبة أحبابكم ويديم وجودهم متمتعين بأفضل صحة وحال مع خالص التقدير والمودة للجميع.